أعلنت الولايات المتحدة رسميًا أن قوات الدعم السريع السودانية ارتكبت إبادة جماعية في الحرب الأهلية المستمرة في السودان، وهي ثاني مرة تشهد فيها البلاد وقوع إبادة جماعية خلال أقل من ثلاثين عامًا, وفقًا لتقرير الغارديان
جاء هذا الإعلان على لسان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، يوم الثلاثاء، حيث أضاف أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع (المعروف بحميدتي)، لدوره في ارتكاب "الفظائع المنهجية"، التي كانت معظمها في غرب دارفور.
ورغم الاتهامات الموجهة لكل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية بارتكاب جرائم حرب منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2023، والتي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف، فقد أشار بلينكن إلى نمط من العنف العرقي المنظم حيث استهدفت قوات الدعم السريع المدنيين الذين كانوا يحاولون الفرار، وعمدت إلى عرقلة وصولهم إلى الإمدادات الأساسية.
وفي تصريحاته، قال بلينكن إن وزارة الخارجية أجرت مشاورات مكثفة قبل اتخاذ قرار تصنيف الإبادة الجماعية، مضيفًا: "استنادًا إلى هذه المعلومات، توصلت إلى أن أفرادًا من قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة قد ارتكبوا إبادة جماعية في السودان"
ويأتي هذا الإعلان في وقت حساس يتزايد فيه التدقيق الدولي في المواقف الأمريكية بشأن النزاعات العالمية، حيث كان بلينكن قد رفض في وقت سابق، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، الادعاءات التي تشير إلى أن أحداث غزة تمثل إبادة جماعية، مؤكدًا: "لا، ليست إبادة جماعية".
تعد قوات الدعم السريع قوة شبه عسكرية نشأت من مليشيات الجنجويد التي ارتكبت فظائع في دارفور في بداية الألفية. وقد استخدمها الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، في عام 2019 لقمع الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية التي أسفرت عن الإطاحة بالبشير.
وفي عام 2023، انهار التحالف بين حميدتي وعبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس الانتقالي السوداني، مما أدى إلى نشوب حرب أهلية مدمرة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، مما فاقم الأزمة الإنسانية وأدى إلى نزوح الملايين.
تتركز أبرز الاتهامات بحق حميدتي وقواته في دارفور، حيث أسفرت الهجمات على مدينة الجنينة في 2023 عن مقتل ما يصل إلى 15,000 شخص، معظمهم من غير العرب، مثل المساليت.
وأكد بلينكن في بيانه أن قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وتطهيرًا عرقيًا، حيث استهدفت بشكل منهجي الرجال والفتيان، حتى الرضع، بناءً على انتمائهم العرقي، كما تعرضت النساء والفتيات من مجموعات عرقية معينة للاغتصاب والعنف الجنسي الوحشي.
وأضاف. "استهدفت المليشيات المدنيين الذين كانوا يفرون من النزاع، وقتلت الأبرياء، ومنعتهم من الوصول إلى الإمدادات المنقذة للحياة. من خلال هذه المعلومات، تأكدت من أن قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة ارتكبت إبادة جماعية في السودان".
كما أعلن بلينكن فرض عقوبات على حميدتي وعلى سبع شركات تابعة لقوات الدعم السريع في الإمارات، بالإضافة إلى فرد آخر لدورهما في دعم هذه القوات.
تأتي هذه الإجراءات بعد إعلان مماثل من الولايات المتحدة في عام 2004 بشأن الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في دارفور.
في الوقت نفسه، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على حميدتي وثمانية كيانات أخرى مرتبطة به، بما في ذلك شركات إماراتية متورطة في توفير الأسلحة والتمويل لقوات الدعم السريع وتشمل العقوبات أيضًا قيودًا على التأشيرات، تمنع حميدتي وعائلته من دخول الولايات المتحدة، بسبب "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في دارفور"، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي للمدنيين من قبل قواته.
تسبب القتال بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في مقتل عشرات الآلاف، وأدى إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، مع استمرار المجاعة ونزوح أكثر من 12 مليون شخص، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة. ومن الجدير بالذكر أن الجيش السوداني لم يشمله إعلان العقوبات أو تصنيف الإبادة الجماعية.
في الشهر الماضي، أفاد نشطاء حقوق الإنسان بمقتل 127 شخصًا، معظمهم من المدنيين، جراء القصف والقنابل البرميلية من كلا الجانبين. وفي يوم الأحد، استهدفت غارة جوية سوقًا للمرة الثالثة خلال أقل من شهر، ما أسفر عن إصابة أكثر من 30 شخصًا، بينهم خمسة في حالة حرجة.
من بين الكيانات التي شملتها العقوبات شركة "كابيتال تاب هولدينغ" الإماراتية، التي يُزعم أنها ساهمت في تمويل وتوريد المعدات العسكرية لقوات الدعم السريع، بالإضافة إلى مالك الشركة وأفراد آخرين ساعدوا في تهريب الأسلحة وتجنب العقوبات السابقة.
قد يفتح تحديد الإبادة الجماعية الطريق لمزيد من الإجراءات الدولية ضد قوات الدعم السريع وداعميها.