يعد الاحتفال بميلاد السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام مناسبة عظيمة تتجسد فيها معاني الأخوة والترابط بين المسلمين والمسيحيين، الذين يجتمعون على أرض واحدة تحت مظلة الوطن المشترك, ويعبر هذا الاحتفال عن قيم المحبة والسلام التي دعا إليها المسيح عليه السلام، وهي القيم ذاتها التي يؤكد عليها الإسلام في دعوته للتسامح والتعايش بين البشر.
فالمسلمون يؤمنون بالمسيح عليه السلام كنبي مرسل من الله، ويحترمون مكانته العظيمة كما وردت في القرآن الكريم، الذي وصفه بأنه "وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين"، أما المسيحيون فيحتفون بمولده باعتباره رمزاً للمحبة والخلاص.
وبين هذه القيم المشتركة، تتعمق أواصر الوحدة الوطنية، لتشكل نموذجاً فريداً للتعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد، بعيداً عن الاختلافات الدينية، في ظل رسالة السلام التي تجمع الجميع.
وفي هذا الصدد يقول الشيخ أحمد تركي – أحد علماء الأزهر الشريف، إن القرآن الكريم تحدث عن السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام في 38 آية كريمة، تضمنت وصف مولده ومعجزاته وصفاته العظيمة. قال الله تعالى:
{إِذْ قَالَتِ المَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي المَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 45-46].
وفي آيات أخرى، أشار المسيح عليه السلام إلى رسالته العظيمة قائلاً:
{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا. وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا. وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا. وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 30-33].
وأكد الشيخ أحمد تركي أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم احتفى بأخيه المسيح عليه السلام، وذكره في العديد من الأحاديث النبوية التي تدل على مكانته وفضله. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا دعوة أبي إبراهيم وبُشرى أخي عيسى" (رواه ابن حبان).
وأوضح الشيخ أحمد التركي، أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف المسيح عليه السلام في أحاديث عدة، منها قوله: "رِبعة، أحمر، كأنما خرج من ديماس" (رواه مسلم)، مشيراً إلى جماله ونقائه. وفي حديث آخر قال: "رأيت رجلاً أدم، سبط الشعر، يُهادَى بين رجلين، وكأن رأسه يقطر ماءً، فقيل: هذا أخوك ابن مريم" (صحيح ابن حبان).
وأضاف الشيخ تركي, أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤكد دائماً قربه من المسيح عليه السلام بقوله: "أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة؛ فليس بيني وبينه نبي" (رواه مسلم).
وأشار الشيخ, إلى أن الاحتفاء بميلاد السيد المسيح ليس حراماً كما يدعي البعض، بل هو تعبير عن السلام والمحبة، كما جاء في القرآن الكريم: {والسلام عليّ يوم ولدت}.
واستشهد الشيخ بأبيات من شعر أحمد شوقي التي تصف عظمة مولد السيد المسيح:
ولد الرفق يوم مولد عيسى، والمروءات والهدى والحياءُ
وازدهى الكون بالوليد وضاءت، بسناه من الثرى الأرجاءُ
وسرت آية المسيح كما يسري، من الفجر في الوجود الضياءُ.
ومن جانب آخر، هنأ القس رفعت فكري، رئيس لجنة الحوار بالكنيسة الإنجيلية، الشعب المصري والرئيس عبد الفتاح السيسي بمناسبة العام الجديد وعيد الميلاد المجيد، مشيرًا إلى أن السيد المسيح يعد شخصية محورية في التاريخ الإنساني، حيث يؤمن المسلمون والمسيحيون بميلاده العذراوي الذي تم دون تدخل بشري، ويجمعون على تعاليمه التي تتميز بالرقي، والمحبة، والتسامح، وقبول الآخر.
وأوضح فكري أن السيد المسيح علم البشرية قيمًا سامية، منها حب الأعداء والتعامل بالرحمة مع المختلفين، مما يجعل الاحتفال بذكرى ميلاده فرصة لاستذكار هذه القيم النبيلة وتعزيزها.
وأضاف: أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للكاتدرائية المسيحية بالعاصمة الإدارية خلال احتفالات عيد الميلاد تمثل رسالة حب وتسامح، حيث ينتظرها المسلمون والمسيحيون سنويًا للاستماع إلى كلماته التي تعبر عن المواطنة الكاملة ووحدة الصف المصري.
وأشار إلى أن تبادل الزيارات بين المسلمين والمسيحيين خلال الأعياد في الكنائس يعكس وحدة النسيج الوطني، حيث يزداد الحضور المشترك عامًا بعد عام، في رد عملي على دعاوى التعصب والكراهية.
واختتم فكري، حديثه بالتأكيد على أن أعياد الميلاد تمثل فرصة لتعزيز روح التسامح وقبول الآخر، مؤكدًا أن المصريين يد واحدة، وأنه لا توجد قوة يمكن أن تفرق بينهم أو تهز وحدتهم الوطنية.