محمد سعد الذي ظلمه "اللمبي" ونصفه "الدشاش"

الثلاثاء 07 يناير 2025 | 07:41 مساءً
محمد سعد
محمد سعد
كتب : محمد أحمد أبو زيد

محمد سعد واحد من أكثر الأسماء التي تركت بصمة في الكوميديا المصرية ارتبط اسمه بشخصية "اللمبي" التي أصبحت أيقونة في تاريخ السينما، لم يكن طريق محمد سعد مفروشاً بالورود إذ بدأ مشواره في وقت يعج بالموهوبين والأسماء الرنانة سواء من فنانين أو مخرجين، كان يبحث عن فرصة يثبت من خلالها موهبته في أدوار صغيرة وكانت البداية في مطلع التسعينيات بدور صغير في مسلسل "وما زال النيل يجري" 1992 وبعدها في مسلسل "أيام المنيرة" 1994 وفي نفس العام خطفته المخرجة إنعام محمد علي للسينما في فيلم "الطريق إلي إيلات" بدور "قناوي" واحد من الضفادع البشرية المكلفة بتفجير السفينة إيلات.

البدايات عند محمد سعد

بعد نجاح الفيلم توقع "سعد" أن تفتح له السينما ذراعيها وتحتضن موهبته ولكنه ظل عامين بعيداً عنها يتنقل ما بين المسرح ويقدم مسرحيات أبرزها "قصة الحي الغربي" وبين التليفزيون ليشارك بدور صغير مع أحمد عبد العزيز وشيرين سيف النصر في مسلسل "ومن الذي لا يحب فاطمة" حتى نادته السينما مرة أخرى في فيلم "الجنتل" مع محمود عبد العزيز ولكن في دور لا يتناسب مع حجم موهبته ورغم صغر مساحة الأدوار أظهر قدرة كبيرة على التعبير بأداء بسيط وملفت للنظر.

نجم شباك من اللمبي

في تلك الفترة أواخر التسعينيات كانت له عدة تجارب في الفوازير والمسرح أبرزها مسرحية "رد قرضي" 1999، وقبل أن يتسلل اليأس إلي قلبه جاءت الفرصة الكبرى عن طريق علاء ولي الدين في فيلم "الناظر" 2000 ومعه شخصية "اللمبي" التي صنع تفاصيلها المؤلف أحمد عبد الله بحرفية شديدة مع أداء محمد سعد الذي لفت أنظار المخرجين والمنتجين ويعلن عن ولادة فنان كوميدي قادراً على صنع ضحك حقيقي لا تشوبه شائبة.

 وبعد نجاح الفيلم وبحسابات المنتجين وقع عليه الاختيار هو وأحمد حلمي لبطولة مشتركة في فيلم "55 اسعاف"2001 وبحسابات المنتجين مرة أخرى وجدوا أن "سعد" هو الأكثر إضحاكاً والقادر على حمل البطولة المطلقة ونجاحه مضمون، وبالفعل راهن "السبكي" على نجاحه وكتب له أحمد عبد الله "اللمبي" 2002 تلك الشخصية التي جمعت بين العفوية والكوميديا الشعبية ولم يخسر "السبكي" الرهان وحقق الفيلم إيرادات خيالية جعلته بين عشية وضحاها "نجم شباك" بلغة المنتجين.

سعد ضحية المنتجين

إيرادات الفيلم ونجاح شخصية "اللمبي" لم يكن مجرد نجاح لشخصية في فيلم بل أصبح ظاهرة مما دفع المنتجين إلى التركيز على تحويل هذه الشخصية إلى علامة تجارية واستقطبته شركة "العدل جروب" وأنتجت له "اللي بالي بالك"2003 وظهر "سعد" بشخصية "اللمبي" مرة أخرى وشخصية "رياض المنفلوطي" ضابط السجن ولكن تخلى عن كتابته أحمد عبد الله وكتب له السيناريو والحوار نادر صلاح الدين وسامح سر الختم وعلى الرغم من أن الفيلم ليس تجارياً مثل "اللمبي" الأول وكان يناقش عدة قضايا وجمع بين الكوميديا والمواقف الإنسانية إلا أنه لم يحقق نصف ما حققه "اللمبي" من إيرادات، ومن حينها بات محمد سعد أسيراً لاختيارات المنتجين.

البحث عن النجاح والأمل في بوشكاش

خرج "سعد" من عباءة "اللمبي" وخاض عدة تجارب في أفلام أخرى مثل "عوكل" 2004، حيث أظهر تنوعاً في الأداء من خلال تقديم دور "جدته أطاطا"، ثم "بوحة وكتكوت وكركر" وفي تلك الأفلام كان الراحل حسن حسني هو "تميمة حظ" محمد سعد وشريك النجاح بفضل "الكيميا" الفنية التي جمعت بينهما، ولكن باتت الانتقادات تلاحق "سعد" بأنه يعمل بنفس الطاقم وأن حسن حسني بات قاسماً مشتركاً في كل أفلامه حتى أن فيلمه "كركر" نال إنقادات بسبب وجود 5 فنانين فقط هم "ياسمين عبد العزيز وحسن حسني ورجاء الجداوي وعلاء مرسي ولطفي لبيب" بينما قدم محمد سعد بمفرده 3 شخصيات "كركر ورضا والحناوي" فأراد "سعد" أن يرضي الجميع نقاد وجمهور وجمع أكبر عدد من الفنانين في فيلمه "بوشكاش" ولم يكن من بينهم حسن حسني الأب الروحي وشريك البدايات.

محمد سعد الذي أحياه اللمبي وأماته

كان "سعد" يأمل في أن يعتلي قمة الإيرادات بـ"بوشكاش" ويعيده مرة أخرى ولكنه خذله ما دفعه للتفكير مرة أخرى في "اللمبي" الذي أحياه في بداياته ولم يكن يعلم أنه سوف يُميته فنياً ويأخد من رصيده، ولم يحقق "اللمبي 8 جيجا" ما يطمح له "سعد" حتى بعد أن استعان بـ حسن حسني، ثم خلع عباءة "اللمبي" وقدم "تك تك بوم" 2011 و "تتح" 2013 وبينهما مسلسل "شمس الأنصاري" وحقق من خلاله نجاح كبير وساعد في نجاحه وجود فنان كبير بحجم فاروق الفيشاوي.

اللمبي فكرة والفكرة لا تموت

في 2014 أخذ "سعد" الحنين لـ"اللمبي" وجاء به من السينما إلي الدراما في مسلسل "فيفا أطاطا" وهو لا يدرك بأن تكراره للشخصية وضعه في دائرة مفرغة وأصاب جمهوره بالملل ومع مرور الوقت أصبح من الواضح أن محمد سعد كان يخشى الفشل إذا خرج من عباءة "اللمبي"، وهذا الخوف جعله يقدم نفس الشخصية بأشكال مختلفة، كما في "اللمبي 8 جيجا" ومسلسل "فيفا أطاطا"، وبينما كانت هذه الأعمال تحقق نجاحاً نسبياً بدأت شعبيته في التراجع وبدأت أصوات تنتقد تكراره للشخصية دون تقديم جديد.

الموهبة المدفونة خرجت من"الكنز"

عانى "سعد" من التخبط والتوهان، يعلق الأمل على "تتح" 2015 ويفشل ثم يجد الفشل الأكبر "تحت الترابيزة" 2016، وبعد كل تجربة يتسائل الجمهور عن ما ينقص محمد سعد للعودة هل وجود مخرج قوي أم هي أزمة "ورق" وسيناريو جيد يبرز موهبته التي لا يختلف عليها أحد سواء من الجمهور أو النقاد، وجاءت الفرصة من المخرج شريف عرفة ليعيد اكتشافه من جديد في دور "بشر الكتاتني" في "الكنز" 2017 حيث قدم دوراً بعيداً تماماً عن الكوميديا، وأعاد الدور تعريف محمد سعد كممثل يستطيع تقديم أدوار درامية عميقة، وأثبت أنه يمتلك موهبة أكبر من حصرها في الكوميديا، ومع إشادة النقاد وحفاوة الجمهور بدوره عادت له ثقته في نفسه وحطمت مخاوفه وقرر خوض التجربة بـ"محمد حسين" 2019 لعله يصلح ما أفسده الأخرون ولكن إيراداته لم ترضي "سعد" الذي تعود على المنافسة بقوة وكان له النصيب الأكبر في "تورتة الإيرادات".

السينما التي تخلت عن سعد

أدارت السينما ظهرها لـ"سعد" بعد أن احتضنته في البدايات وظل نحو 4 سنوات في مقعد المتفرج يبحث عن سيناريو جيد يستفزه كفنان موهوب قادر على التلون يضحكك من أوصال قلبك بل يجعلك تحسس قلبك من فرط الضحك وقادر أن يبكيك من شدة تأثره، وما بين الانتظار وعلى طريقة "ياما في الجراب يا حاوي" قرر أن يستغل شخصية "الحناوي" التي قدمها في فيلمه "كركر" ولكن درامياً في مسلسل "إكس لانس" 2023 ولم يصادفه النجاح.

6 سنين عجاف.. هل كانت استراحة محارب؟

ظل عامين بعيداً عن جمهوره الذي يعلم أنه يشتاق إليه بينما هو اشتاق للسينما بعد 6 سنوات من الغياب بعد "الكنز" في فترة اعتبرها البعض محاولة لإعادة تقييم مسيرته واعتبرها هو "استراحة محارب" بينما جمهوره كان ينتظر منه العودة بشيء جديد ومختلف.

السينما.. منها وإليها يعود

لم يخيب محمد سعد ظن جمهوره وعاد له بفيلم "الدشاش"، الذي يُعرض حالياً في السينمات ويحقق إيرادات جيدة، الفيلم يمثل محاولة لاستعادة مكانته في السينما لأن " سعد" ليس مجرد ممثل كوميدي عادي؛ هو ظاهرة صنعت ضحك الملايين، لكنه أيضاً مثال على كيف يمكن للنجاح الكبير أن يتحول إلى عبء، ومسيرته الفنية مليئة بالدروس عن أهمية التنوع والخوف من المخاطرة ودور المنتجين في توجيه مسار النجم، ومع عودته الجديدة، ربما يكون "الدشاش" بداية جديدة تليق بفنان استطاع في يوم ما أن يكون الأكثر إضحاكاً في السينما المصرية، ولكن السؤال الأهم هل سيتجاوز "اللمبي" تماماً ويبدأ مرحلة جديدة من التجديد؟