وسط أزمة سياسية غير مسبوقة تعصف بكوريا الجنوبية، جاء حادث تحطم الطائرة الأشد دموية في تاريخ البلاد ليضيف تعقيدًا جديدًا لمشهد سياسي وأمني مضطرب.
وقع الحادث بعد أقل من 48 ساعة على تعيين وزير المالية، تشوي سانغ موك، رئيسًا مؤقتًا للبلاد، إثر سلسلة من التطورات السياسية المثيرة التي بدأت بمحاولة فاشلة لفرض الأحكام العرفية من قبل الرئيس يون سوك يول.
أزمة سياسية تخيم على البلاد
تعود جذور الأزمة إلى الثالث من ديسمبر 2024، عندما فاجأ الرئيس يون الجميع بإعلان الأحكام العرفية قبل أن يتراجع عنها بعد ساعات، وذلك في مواجهة تصعيد برلماني قوي تجاوز الحواجز الأمنية للتصويت ضد القرار. هذا التصعيد أدى إلى اتهامات برلمانية للرئيس بإساءة استخدام السلطة ومحاولة انقلاب، ما أفضى إلى عزله من منصبه في 14 ديسمبر.
لم تكن نهاية القصة هنا؛ فبعد عزل الرئيس، تولى رئيس الوزراء هان دوك سوو مهام الرئاسة المؤقتة، لكنه لم يلبث أن أُعفي من منصبه هو الآخر على إثر اتهامات مشابهة، مما دفع البرلمان إلى تسليم القيادة إلى وزير المالية تشوي سانغ موك مساء الجمعة، الذي بات يتحمل مسؤولية قيادة البلاد في واحدة من أصعب فتراتها التاريخية.
كارثة الطائرة تزيد الأمور تعقيدًا
فجر الأحد، وبينما كانت البلاد تتلمس طريقها وسط فراغ قيادي، اصطدمت رحلة "جيجو إير 7C2216" بجدار في مطار "موان الدولي"، مما أدى إلى مصرع معظم ركابها البالغ عددهم 181 شخصًا.
وأعلنت السلطات الكورية الجنوبية أن الحادث يُعد الأكثر دموية في تاريخ الطيران المدني على أراضيها.
هرع الرئيس المؤقت تشوي إلى موقع الحادث فور وقوعه، حيث أعلن المنطقة "منطقة كوارث خاصة"، مؤكدًا أن الحكومة ستبذل قصارى جهدها لتقديم الدعم لأسر الضحايا وضمان عدم تكرار مثل هذه الكوارث.
وقال تشوي: "نعرب عن تعازينا الصادقة لأسر الضحايا، وسنعمل بلا كلل لتجاوز هذه المحنة."
تحديات القيادة في ظل غياب التنسيق
على الرغم من خطاب تشوي الذي بدا واثقًا، تشير تقارير من داخل أروقة الحكومة إلى حالة من الارتباك في تحديد سلاسل القيادة والمسؤوليات. فبحسب مصادر حكومية رفضت الكشف عن هويتها، لا يزال التنسيق بين الوزارات والإدارات المختلفة غائبًا، خاصة وأن الرئيس المؤقت يعمل من مكتب حكومي بسيط في سيول، دون أي دعم مباشر من طاقم الرئاسة السابق.
أوضح أحد المسؤولين أن فريقًا من وزارتي النقل والسلامة سيعمل على تقديم تقارير يومية إلى تشوي حول الحادث، في حين يظل أمر إصدار البيانات الصحفية وتنظيم الاجتماعات غير محسوم.
كما أشار مسؤول آخر إلى أن مهام تشوي كوزير مالية قد تم تفويضها لنائبه، ما يضيف عبئًا جديدًا على فريقه في ظل تعدد المسؤوليات.
دروس الماضي تعود إلى الواجهة
تشوي يقود الآن فريق التحكم المركزي للكوارث، وهي المهمة التي تُناط عادة برئيس الوزراء. يعتمد هذا الفريق على دليل أُعد بعد كوارث مأساوية هزت البلاد، أبرزها غرق العبارة "سيوول" في عام 2014، الذي أودى بحياة 304 أشخاص، وحادث التدافع في "إيتايون" عام 2022 الذي راح ضحيته 159 شخصًا.
يأتي هذا الدور المحوري في وقت يترقب فيه الكوريون نتائج محاكمة الرئيس المعزول يون ورئيس الوزراء السابق هان أمام المحكمة الدستورية، التي ستحدد مصير القيادة العليا في البلاد.
الأزمات الخارجية تزيد الضغط
على الصعيد الدولي، تواجه كوريا الجنوبية تحديات معقدة، أبرزها التقلبات في أسواق العملات الأجنبية، فضلاً عن ضرورة الاستعداد لتغيرات في العلاقات مع الولايات المتحدة بعد تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه.
واشنطن تعد الحليف الرئيسي لسيول، مما يجعل أي تغييرات في الإدارة الأمريكية ذات تأثير مباشر على السياسات الخارجية لكوريا الجنوبية.