"كمال": الإيجار القديم يعطل استثمارات العقارات ويحد من تطورها
"منصور": لا يمكن تجاهل حقوق الملاك أو المستأجرين
"فتحي": يمكن تبني خطة ثلاثية لحل أزمة الإيجار القديم
يُثير قانون الإيجار القديم في مصر حالة من الجدل المستمر بين طرفي العلاقة الإيجارية، المالك والمستأجر، منذ عقود، ورغم محاولات الحكومات المتعاقبة لحل هذه الإشكالية المزمنة، إلا أن القانون ظلّ أحد الملفات الشائكة التي يصعب التوافق عليها.
ويتعلق هذا القانون بالممتلكات المؤجرة قبل عام 1996، والتي تحدد الإيجارات فيها بأسعار متدنية، ما يخلق أعباءً على مُلاك العقارات ويثير قلق المستأجرين من احتمال فقدان مساكنهم.
ملاك العقارات.. سنوات من المعاناة
يرى الملاك أن القانون الحالي يجحف بحقوقهم الاقتصادية، حيث تُلزمهم عقود الإيجار القديمة بتحصيل مبالغ زهيدة مقابل وحدات قد تصل قيمتها السوقية إلى ملايين الجنيهات.
عبد الحميد أحمد، أحد الملاك في محافظة القاهرة، يقول: "إيجار الشقة التي ورثتها عن والدي لا يتجاوز 10 جنيهات شهريًا، بينما قيمتها السوقية تتخطى ثلاثة ملايين جنيه".
"أمتلك عمارة سكنية منذ عام 1970 في وسط القاهرة، لكن إجمالي ما أحصل عليه شهريًا من إيجار 12 شقة لا يتجاوز 150 جنيهًا"، هكذا يقول السيد حسن إبراهيم، أحد الملاك المتضررين ويضيف: "بعض المستأجرين يدفعون 5 جنيهات شهريًا، بينما الشقق المجاورة تُؤجر بأسعار تتجاوز 10 آلاف جنيه شهريًا".
حسن ليس الوحيد الذي يعاني من هذا الوضع، بل يشترك معه آلاف الملاك في جميع أنحاء مصر الذين يرون أن قانون الإيجار القديم "مجحف" ويحرمهم من حقوقهم المشروعة.
المستأجرون يواجهون قلق التشريد
في المقابل، يعتبر المستأجرون أن تعديل القانون قد يُعرّضهم للتشريد. سامية علي، مستأجرة منذ أكثر من 40 عامًا، توضح: "نعتمد على الإيجار القديم لأننا لا نستطيع تحمل الأسعار المرتفعة للإيجارات الحالية. تعديل القانون دون حماية كافية يعني أننا سنفقد منازلنا".
في الجهة المقابلة، تقول فاطمة محمود، مستأجرة في حي مصر الجديدة منذ أكثر من 40 عامًا: "أعيش في هذه الشقة منذ زواجي، ولا يمكنني تحمل تكاليف الإيجار الجديد إذا تم تعديل القانون. أين سأذهب أنا وأبنائي؟".
فاطمة ليست وحدها، فهناك عشرات الآلاف من الأسر التي تعتمد على هذا القانون للحصول على مساكن بأسعار معقولة.
عقارات مغلقة وضياع فرص اقتصادية
أزمة أخرى تنبع من هذا القانون تتمثل في الوحدات المغلقة، يقول أحمد السيد، أحد سكان حي الدقي: "لدي جار يمتلك شقة مستأجرة منذ السبعينيات، لكنه يعيش خارج مصر منذ أكثر من 20 عامًا. الشقة مغلقة تمامًا بينما هناك أسر تبحث عن سكن".
بحسب إحصائيات غير رسمية، تُقدر نسبة الوحدات المغلقة ضمن منظومة الإيجار القديم بأكثر من 25% من إجمالي العقارات المؤجرة، ما يمثل إهدارًا كبيرًا للموارد الاقتصادية.
مطالب بإعادة النظر في القانون
من الناحية القانونية، يطالب خبراء بإعادة النظر في القانون بما يضمن تحقيق التوازن بين حقوق الملاك واحتياجات المستأجرين. المحامي محمود زكريا: يشير إلى أن "تعديل القانون يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أوضاع الفئات الأكثر ضعفًا، مثل كبار السن وذوي الدخل المحدود، مع تعويض الملاك بشكل عادل".
أما اقتصاديًا، فيؤكد الدكتور هشام كمال، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن "الإيجار القديم يعطل استثمارات العقارات ويحد من تطورها، مؤكدًا أن تحرير السوق العقارية يمكن أن يساهم في زيادة النمو الاقتصادي وتحفيز الاستثمار، لكنه يحتاج إلى آليات تدريجية لتجنب الصدمات الاجتماعية".
محاولات الحكومة لإيجاد حلول
على مدار السنوات الماضية، طرحت الحكومة المصرية عدة تصورات لحل هذه الأزمة، ومن بين المقترحات التي أُثيرت، تخصيص فترة انتقالية لتعديل العقود، وزيادة تدريجية في قيمة الإيجارات القديمة لتواكب قيمتها السوقية.
وفي عام 2023، أعلنت الحكومة عن دراسة لتعديل القانون تراعي حقوق المستأجرين والملاك على حد سواء. أحد المقترحات التي أُثيرت شملت زيادة تدريجية في الإيجار على مدار خمس سنوات، مع تقديم دعم للفئات الأكثر تضررًا.
دعم المتضررين
تعمل منظمات المجتمع المدني على دعم المتضررين من كلا الجانبين. تقول رشا منصور، رئيسة إحدى الجمعيات الحقوقية: "لا يمكن تجاهل حقوق الملاك أو المستأجرين، ويجب أن تتعاون جميع الجهات لتحقيق حل مستدام، ونُطالب الحكومة بإنشاء لجان لحصر الوحدات المؤجرة وتقييم الوضع الاجتماعي للمستأجرين".
الحلول الممكنة
وفقًا للخبير العقاري عمرو فتحي، يمكن تبني خطة ثلاثية لحل أزمة الإيجار القديم تتضمن زيادة تدريجية في قيمة الإيجارات القديمة على مدار خمس سنوات، والعمل على إنشاء صندوق لدعم المستأجرين من الفئات الأكثر ضعفًا، وتحفيز الملاك على إعادة تأهيل الوحدات السكنية غير المستغلة مقابل إعفاءات ضريبية.
الدستورية تُصدر حكمًا تاريخيًا
وكانت المحكمة الدستورية العليا، قد أصدرت حكمًا تاريخيًا في نوفمبر 2024 بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين الأولى والثانية في قانون الإيجار القديم الصادر في عام 1981، وقد تضمنت تلك المواد ثبات القيم الإيجارية السنوية للأماكن المرخص إقامتها لأغراض سكنية، ودعت مجلس النواب إلى تعديلها قبل انتهاء الفصل التشريعي الحالي، إلا أن مجلس النواب لم يناقش التعديلات المطروحة حتى الآن.
يظل قانون الإيجار القديم ملفًا معقدًا يحتاج إلى توافق مجتمعي وسياسي، وبينما يسعى الملاك إلى تحقيق العدالة الاقتصادية، يتمسك المستأجرون بأبسط حقوقهم في السكن، ومع تصاعد الدعوات لتعديل القانون، تبدو الحلول القائمة على التوازن الاجتماعي والاقتصادي هي الخيار الأمثل لتجنب أي أزمات جديدة في هذا الملف الشائك.