شنت إسرائيل سلسلة من الهجمات الجوية على مواقع في سوريا خلال الليل، على الرغم من تصريحات زعيم المعارضة المسلحة السورية، أبو محمد الجولاني، الذي أكد أن جماعته "هيئة تحرير الشام" (HTS) ليست مهتمة بالصراع مع إسرائيل.
وتأتي هذه الضربات بعد تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، الذي أعلن أن القوات الإسرائيلية التي سيطرت على منطقة العزل في هضبة الجولان الأسبوع الماضي ستظل في جبل الشيخ طوال الشتاء في المواقع التي تمركزت فيها. وأكد مكتب كاتس في بيان أن "الظروف الراهنة في سوريا تجعل من الضروري الحفاظ على السيطرة على القمة لأسباب أمنية هامة".
وفي رد على هذه التصريحات، قال الجولاني، وهو الاسم الحركي لأحمد الشرع، في مقابلة مع الإعلام السوري: "لا مبرر لأي تدخل أجنبي في سوريا بعد مغادرة القوات الإيرانية. نحن لا نسعى إلى الدخول في صراع مع إسرائيل". وأشار إلى أن إسرائيل تستخدم مبررات زائفة لتبرير هجماتها على سوريا، مؤكداً أنه لا يهدف إلى فتح جبهات جديدة في وقت تسعى فيه البلاد إلى إعادة بناء نفسها بعد فترة حكم بشار الأسد.
وأضاف الجولاني أن "الحلول الدبلوماسية" هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في سوريا، محذرًا من "المغامرات العسكرية غير المدروسة". وشدد على أن "حجج إسرائيل أصبحت ضعيفة ولم تعد مبررة لخرقها المتكرر للحدود، ما يشكل تهديدًا لتصعيد غير مبرر في المنطقة".
وأشار الجولاني إلى أن سوريا مرهقة من سنوات طويلة من الحرب، مما يجعلها غير قادرة على تحمل صراعات جديدة. وذكر أن الأولوية في المرحلة الحالية هي التركيز على إعادة الإعمار والاستقرار، وليس الانجرار إلى نزاعات قد تؤدي إلى مزيد من الدمار.
من جانبه، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يتخذ من بريطانيا مقرًا له، بأن إسرائيل أطلقت 61 صاروخًا على مواقع عسكرية سورية خلال خمس ساعات فقط مساء السبت. وذكرت التقارير أن الهجمات استهدفت قواعد عسكرية ومواقع للأسلحة الثقيلة ومرافق متعلقة ببرنامج الأسلحة الصاروخية والكيميائية للنظام السوري السابق، بالإضافة إلى تدمير القوات البحرية السورية في ميناء اللاذقية.
الضربات الجوية المستمرة أثارت قلقًا متزايدًا لدى الدبلوماسيين والمسؤولين الدوليين الذين يخشون من احتمالية أن تؤدي هذه الهجمات إلى احتلال طويل الأمد للأراضي السورية. في هذا السياق، دعت الأمم المتحدة إسرائيل إلى الانسحاب من منطقة العزل التي تفصل بين سوريا وهضبة الجولان المحتلة. وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنه "قلق للغاية من الانتهاكات الأخيرة لسيادة سوريا وسلامتها الإقليمية".
وأصدرت كل من فرنسا وألمانيا وإسبانيا دعوات مماثلة لإسرائيل للانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح. في المقابل، أكدت إسرائيل أن اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 بين إسرائيل وسوريا قد "انهارت" مع سقوط حكومة الأسد.
وفي رد على تصريحات الجولاني، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرزي هاليفي، إن إسرائيل لا تتدخل في الشؤون السورية وأن هدفها الوحيد هو تأمين حدودها. وأضاف أن إسرائيل "تتدخل فقط من أجل حماية أمن مواطنيها"، مشيرًا إلى أن انتشار القوات الإسرائيلية على طول الحدود مع سوريا، من جبل الشيخ إلى ملتقى الحدود الإسرائيلية-السورية-الأردنية، هو أمر ضروري.
وأشارت التقارير إلى أن من بين المواقع التي تم استهدافها خلال عطلة نهاية الأسبوع كانت مقرات عسكرية ومواقع للجيش السوري، بالإضافة إلى مستودعات للأسلحة وأصول مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري، الذي كان مسؤولًا عن تطوير الأسلحة المتقدمة. وتقدّر إسرائيل أن الغارات الجوية دمرت جزءًا كبيرًا من البنية التحتية للقوات الجوية السورية وطائراتها.
وقد فاجأت الحملة الجوية الإسرائيلية الواسعة العديد من العواصم الغربية، التي كانت تتوقع أن تقتصر الضربات الإسرائيلية على مواقع الأسلحة الكيميائية والصواريخ، لا سيما أن الجيش السوري قد فقد حوالي 70% من قدراته في مئات الهجمات.
في هذا الوقت، كان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، يختتم جولة من المحادثات في الأردن وتركيا والعراق بهدف تشكيل رؤية مشتركة لمستقبل سوريا ما بعد الأسد. وأكد بلينكن أن ما يحدث داخل سوريا له تأثيرات كبيرة على المنطقة والعالم، بما في ذلك من حيث النزوح الجماعي وتهديد الإرهاب. كما أشار إلى أهمية تواصل الولايات المتحدة مع "هيئة تحرير الشام" بشأن سلوكها في فترة الانتقال السياسي في سوريا.