في ظل واقع سياسي وميداني معقد، تجد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" نفسها أمام تحديات غير مسبوقة عقب حرب غزة الأخيرة التي استمرت أكثر من عام.
لقد أضعفتها الضربات العسكرية الإسرائيلية المكثفة، وعزلتها التطورات الإقليمية والدولية، ما جعل الحركة تبحث عن خيارات جديدة لإعادة تشكيل دورها السياسي والتنظيمي.
تغيرات في الحسابات السياسية
بحسب تحليل حديث لموقع " theconversation" أعلنت حماس في ديسمبر 2024 عن استعدادها لتسليم إدارة قطاع غزة إلى لجنة فلسطينية مشتركة بالتعاون مع حركة فتح، في خطوة تعكس تحولات واضحة في سياساتها بعد تراجع مكانتها السياسية والميدانية.
هذا الإعلان يمثل تنازلًا كبيرًا من الحركة، خاصةً وأنها خاضت مواجهات مسلحة مع فتح منذ العام 2007 للسيطرة على القطاع.
لكن هذه الخطوة لاقت تحفظًا من حركة فتح بقيادة الرئيس محمود عباس، وسط توقعات بمواجهتها معارضة إسرائيلية وأمريكية شديدة، مما يعكس تعقيدات المشهد السياسي الفلسطيني.
وبرزت القاهرة كوسيط رئيسي في محاولة صياغة مستقبل سياسي لقطاع غزة. فقد عقدت مصر اجتماعًا مطولًا بين حركتي حماس وفتح بحضور قيادات فلسطينية مستقلة في محاولة لإنشاء لجنة دعم مجتمعي مكونة من مهنيين وتكنوقراط بعيدًا عن الولاءات الفصائلية، ورغم قبول حماس الفوري بالخطة المصرية، فإن حركة فتح أبدت ترددًا واضحًا، مما يتطلب جهدًا إضافيًا من الجانب المصري لتجاوز الخلافات بين الطرفين.
التحولات الإقليمية وانعكاساتها
في أكتوبر 2023، شنت حماس هجومًا عسكريًا كبيرًا على إسرائيل، معتمدة على دعم عسكري من حزب الله في لبنان وغطاء دبلوماسي ومالي من إيران.
لكن الوضع تغير بشكل جذري مع اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله على الحدود اللبنانية، والتي انتهت باتفاق هدنة في نوفمبر 2024، ما أدى إلى تقليص دعم حزب الله وإيران لحماس.
إضافة إلى ذلك، أعلنت قطر تعليق دورها كوسيط في محادثات السلام بين حماس وإسرائيل، متأثرة بتغير المشهد السياسي الدولي وصعود إدارة أمريكية جديدة بقيادة دونالد ترامب التي تتبنى موقفًا أكثر تشددًا تجاه الحركة، كما واجهت حماس ضغوطًا لإغلاق مكتبها السياسي في الدوحة، مما زاد من عزلتها الدولية.
خسائر عسكرية وسياسية عميقة
تكبدت حماس خسائر فادحة على الصعيدين العسكري والسياسي، فقد أدى مقتل قائدها يحيى السنوار إلى فراغ قيادي داخل الحركة، فضلاً عن فقدان العديد من كبار قياداتها في الضربات الإسرائيلية، سواء داخل غزة أو خارجها.
ولم يعد من الواضح من يقود الحركة ميدانيًا أو سياسيًا، حيث اقتصر تمثيلها في المفاوضات المصرية على قيادات من الصف الثاني مثل خليل الحية.
مستقبل غزة وحماس
على الرغم من الضعف الذي تواجهه حماس، فإن الحركة لا تزال تتمتع بقاعدة جماهيرية واسعة بين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية وفي الشتات، لكن ككيان حاكم، يبدو أن نفوذها يتراجع بشكل ملحوظ.
تشير التحركات الدبلوماسية الأخيرة إلى أن مصر والولايات المتحدة والقوى الإقليمية الأخرى تسعى إلى بناء نموذج حكم جديد لقطاع غزة، قد يعتمد على لجنة مستقلة بعيدًا عن السيطرة المباشرة لحماس أو فتح.
ومع انتهاء الحرب، تظل التساؤلات قائمة حول مستقبل القطاع، حيث يبقى توحيد القيادة السياسية الفلسطينية أمرًا حاسمًا لتحقيق استقرار طويل الأمد.
ومع ذلك، فإن استمرار الانقسام الداخلي، إلى جانب المعارضة الإسرائيلية والأمريكية لأي حكومة وحدة وطنية تضم حماس، يعقد تحقيق هذا الهدف.
دروس الماضي وتحديات المستقبل
يرى موقع " theconversation" أن الواقع الحالي يشير لأن حماس تواجه معركة وجودية للحفاظ على مكانتها كقوة سياسية وعسكرية، لكنها تدرك أيضًا أن أي فشل في إعادة صياغة دورها سيترك فراغًا قد يستغله أطراف أخرى.
في ظل هذه التحولات، فهناك حاجة ملحة لتكاتف الجهود الإقليمية والدولية لإعادة إعمار غزة وضمان استقرارها، ولكن مع استمرار التحديات السياسية والإنسانية، يبقى مستقبل غزة غامضًا، بانتظار ما ستسفر عنه التحركات الدبلوماسية في الأشهر المقبلة.