شهدت سوريا تحولًا تاريخيًا خلال أسبوعين فقط، مع نجاح هيئة تحرير الشام (HTS) في الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد بعد 13 عامًا من الصراع.
وفي تحرك عسكري مفاجئ وسريع، سيطر المتمردون على مدن رئيسية قبل الوصول إلى دمشق دون مقاومة تُذكر، مما أنهى حكمًا استمر لعقود لكنه فتح الباب أمام مستقبل غامض.
تقدم خاطف وسقوط مفاجئ
بحسب ما نقلته الإذاعة البريطانية بي بي سي، قادت هيئة تحرير الشام، الذين تحركوا في قوافل صغيرة على طول الطريق السريع الشمالي-الجنوبي، حملة عسكرية خاطفة بدأت من إدلب وصولًا إلى العاصمة. سقوط نظام الأسد جاء بعد سلسلة من الانتصارات في مدن كبرى مثل حلب وحماة وحمص، حيث أظهرت الخريطة الجديدة سيطرة المعارضة على معظم الغرب السوري. ورغم ذلك، لا تزال البلاد تواجه حالة من التشتت، مع تنافس فصائل متعددة للهيمنة على مناطق النفوذ.
من يسيطر على أي منطقة في سوريا؟
تشمل المدن الكبرى المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة السورية بقيادة هيئة تحرير الشام، والتي تمتد تقريبًا من الشمال إلى الجنوب. وعلى الرغم من أن المجموعة تسيطر على المدن الرئيسية في سوريا، إلا أنها لا تحكم البلاد بأكملها.
اللاعبون على الأرض
يحتفظ الأكراد بمناطق نفوذهم في شمال شرق البلاد بجانب سيطرة هيئة تحرير الشام على المدن الكبرى، بينما تسعى فصائل هيئة تحرير الشام المدعومة من تركيا إلى توسيع وجودها في الشمال. في المقابل، لا يزال التوافق حول إدارة البلاد بعد الأسد بعيد المنال، مع اندلاع اشتباكات بين الفصائل المتنافسة في مدن مثل منبج.
كيف وصل المتمردون إلى دمشق؟
بعد سنوات من الجمود خلف خطوط المواجهة، شنت الفصائل المتمردة السورية هجومًا خاطفًا انتهى بالسيطرة على العاصمة دمشق وإطاحة الرئيس بشار الأسد. وجاء هذا التطور بعد سلسلة من الانتصارات المتلاحقة التي بدأت أواخر نوفمبر بالسيطرة على مدينة حلب، ثاني أكبر مدن سوريا.
خطوات الهجوم الخاطف
تمكنت هيئة تحرير الشام (HTS) في نهاية نوفمبر، من بسط سيطرتها على المدينة بعد قتال عنيف.
استولت الفصائل المسلحة بعد أيام قليلة، على مدينة حماة في 4 ديسمبر بعد حصار سريع وفعال.
السقوط السريع لحمص: في 5 ديسمبر، تمكنت الفصائل المسلحة من السيطرة على مدينة حمص، ثالث أكبر المدن السورية، وذلك قبل ساعات فقط من انهيار خطوط الدفاع الحكومية حول دمشق.
الدعم الإقليمي والدولي
تقع سوريا في موقع استراتيجي على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وتحدها تركيا من الشمال، ولبنان وإسرائيل من الغرب والجنوب الغربي، والعراق من الشرق، والأردن من الجنوب. خلال سنوات الصراع، دعمت تركيا والقوى الغربية ودول الخليج العربي عدة فصائل معارضة بدرجات متفاوتة، مما ساهم في تقدم المتمردين.
خريطة السيطرة
يُظهر التقدم السريع للفصائل المسلحة تغيّرًا واضح في خريطة السيطرة على الأرض. وفي أكتوبر، كانت هيئة تحرير الشام تسيطر على منطقة صغيرة حول إدلب، لكن بحلول ديسمبر، توسعت سيطرتها لتشمل حلب، حماة، حمص، وأخيرًا دمشق.
الغارات الإسرائيلية واستراتيجية السيطرة في سوريا بعد سقوط الأسد
حزب الله بين المعركة والضعف
قاتلت حركة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران إلى جانب جيش النظام السوري خلال سنوات الحرب، لكنها تعرضت لضعف شديد نتيجة صراعها المستمر مع إسرائيل. وقد اعتبر هذا التراجع عاملاً رئيسيًا في تسهيل تقدم المتمردين الذين تمكنوا من إسقاط النظام السوري.
إسرائيل تكثف غاراتها الجوية
أعلنت إسرائيل عن تنفيذ مئات الغارات الجوية ضد الجيش السوري والمنشآت العسكرية، معبرة عن قلقها من "التمركز العسكري" الإيراني في سوريا. وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، أن إسرائيل نفذت أكثر من 300 غارة جوية منذ سقوط نظام الأسد، استهدفت مستودعات أسلحة وذخائر، ومطارات، وقواعد بحرية، ومراكز أبحاث.
التقارير تشير إلى أن العديد من هذه المنشآت دُمرت بالكامل، وتؤكد إسرائيل أن الهدف من عملياتها هو منع وقوع الأسلحة في أيدي الجماعات المتطرفة خلال المرحلة الانتقالية في سوريا.
سيطرة على مرتفعات الجولان
أعلنت إسرائيل أنها سيطرت مؤقتًا على المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان، مشيرة إلى انهيار اتفاق فك الاشتباك لعام 1974 بعد استيلاء المتمردين على البلاد. وتقع مرتفعات الجولان، على بُعد حوالي 60 كيلومترًا جنوب غرب دمشق، وهي منطقة استولت عليها إسرائيل خلال حرب الأيام الستة عام 1967 وضمتها بشكل أحادي عام 1981، وهو قرار لم يُعترف به دوليًا باستثناء الولايات المتحدة التي أيدت الخطوة عام 2019.
الوضع في شمال سوريا
اندلعت اشتباكات بين المتمردين بقيادة الأكراد والقوات المدعومة من تركيا في مدينة منبج شمال البلاد. وتبادل الطرفان الادعاءات بالسيطرة على المدينة، فيما تستمر المواجهات في بعض الأحياء. ووفق محللين في معهد دراسة الحرب، لا تزال السيطرة الفعلية على منبج غير مؤكدة.
انخفاض بسيط في الوجود الأجنبي: انخفض عدد المواقع العسكرية الأجنبية من 830 إلى 801 خلال عام.
توازن القوى: رغم الانخفاض العددي، تسعى القوى الأجنبية للحفاظ على نفوذها العسكري كوسيلة رئيسية لتحقيق مصالحها الاستراتيجية.
التوزيع الجغرافي للقوات الأجنبية وأهدافها:
1. إيران:
كانت إيران تمتلك 529 موقعًا عسكريًا، بينها 52 قاعدة.
وكانت تركز على السيطرة على الطرق الحيوية ومناطق تهريب المخدرات، خاصة الطريق بين البوكمال ولبنان، ولكنها الآن قامت بسحب قواتها.
2. تركيا:
تدير 126 موقعًا، بما في ذلك 12 قاعدة.
تهدف لحماية حدودها الجنوبية ومنع أي كيان كردي انفصالي.
تعتمد على مواقع مترابطة لتعزيز عملياتها العسكرية والاستخباراتية.
3. روسيا:
عززت وجودها بإضافة 9 مواقع جديدة، ليصل الإجمالي إلى 114 موقعًا.
تركز على الساحل السوري والقنيطرة كمناطق استراتيجية للضغط السياسي والعسكري.
تعتمد على الميليشيات المحلية ومرتزقة "فاغنر" للحد من المخاطر البشرية.
أرسلت روسيا آلاف الجنود وأمنت عقود إيجار مدتها 49 عامًا لقاعدتين عسكريتين رئيسيتين على الساحل السوري، منذ تدخلها في سوريا عام 2015 لدعم نظام الأسد:
قاعدة حميميم الجوية: تقع جنوب مدينة اللاذقية وتستخدم لنقل المتعاقدين العسكريين الروس إلى أفريقيا وخارجها.
قاعدة طرطوس البحرية: الميناء العسكري الوحيد لروسيا في البحر المتوسط.
تعد القاعدتان محوريتين لقدرة روسيا على العمل كقوة عالمية. وأعلن الكرملين عن بدء محادثات مع الإدارة السورية الجديدة لتحديد مستقبل وجودها العسكري في سوريا.
4. التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة:
أضاف موقعين جديدين ليصل العدد إلى 32 موقعًا.
يركز على محاربة تنظيم داعش ومنع النظام السوري وحلفائه من السيطرة على مناطق النفط والغاز.
يتميز بوجود قوي نسبيًا رغم محدودية عدد المواقع.
أثر الانتشار العسكري على المشهد السوري:
ساهمت الاتفاقيات بين روسيا وتركيا في وقف التصعيد، لكن الوضع الراهن يعوق الحل السياسي. ويعد استمرار الأنشطة العسكرية يعكس تنافس القوى الأجنبية، خاصة في المناطق الاستراتيجية مثل شمال شرق سوريا والحدود الجنوبية. وبرغم غياب العمليات الواسعة، يظل خطر التصعيد قائمًا بسبب الأهداف المتعارضة بين الفاعلين الدوليين.
مع انهيار النظام السوري، دخلت سوريا مرحلة حرجة تشهد تغيّرًا جذريًا في موازين القوى الإقليمية والدولية، حيث تتسابق الفصائل والجيوش الأجنبية لتعزيز نفوذها وسط غموض يحيط بمستقبل البلاد.