السيارات الكهربائية تشعل الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 | 08:59 مساءً
السيارات الكهربائية تقود صراع الاقتصاد بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين - أرشيفية
السيارات الكهربائية تقود صراع الاقتصاد بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين - أرشيفية
كتب : محمد الإمبابي

تُشكل صناعة السيارات الكهربائية واحد من المحاور الأساسية في التوتر الاقتصادي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، حيث تسعى أمريكا إلى وقف توسع الصينيين على حساب الشركات الأمريكية.

الأمر لا يقف عند السيارات الكهربائية فقط بل متوقع أن تستعر الحرب الاقتصادية الأمريكية الصينية مع وصول الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير المقبل.

استثمارات صينينة قياسية في السيارات الكهربائية

الصين سعت لاحتلال مقدمة صناعة السيارات الكهربائية في العالم منذ بدء مشروعها الطموح في 2007 على يد شركة BYD عملاق صناعة السيارات الكهربائية الذي تخطت مبيعاتها في 2023 مبيعات تسلا الشركة الأمريكية الرائدة في نفس القطاع.

التفوق الصيني جاء مدفوعًا باستثمارات من الشركات الصينية بلغت نحو 28.2 مليار دولار في قطاع السيارات الكهربائية والصناعات المرتبطة بها عام 2023، وفي العام السابق عليه 2022 وصلت إلى نحو29.7 مليار دولار.

 المنافسة السعرية واحدة من أهم عوامل تفوق الصين، فعلى سبيل المثال طراز سيجال من BYD بلغ سعرها في مارس الماضي 70 ألف يوان ما يساوي 9700 دولار أمريكي، بينما الولايات المتحدة أقل سيارة كهربائية تتخطى ذلك السعر بكثير، فارخص سيارات تسلا موديل3 يبلغ سعرها 39 ألف دولار.

وتدل الأرقام على استعداد الصين لإنتاج أعداد ضخمة من السيارات الكهربائية، ففي 2023 كانت القدرة الإنتاجية لنحو 57 مصانع سيارات صينية أقل بنسبة 40% عن طاقتها الفعلية، و20 مصنع فقط أنتجوا سيارات بنسبة أكبر من 60%.

ويتوقع بنك جولدمان ساكس الأمريكي أن تصل القدرة الإنتاجية في 2024 إلى 27 مليون سيارة مع تقديرات بأن الطاقة الإنتاجية الإجمالية لمصانع السيارات تصل إلى 48.8 مليون سيارة سنويا، ومتوقع أن تنتج مصانع السيارات الكهربائية خلال العام الحالي سيارات بنسبة 58% فقط

مخاوف الولايات المتحدة من السيارات الكهربائية الصينية

مخاوف الولايات المتحدة من تفوق صناعة السيارات عامة والكهربائية بصفة خاصة برزت في تحركات مرشحي الرئاسة، فكلاهما أعلن خلال تجمعات انتخابية مع عمال صناعة السيارات عزمهما على مواجهة التهديد الصيني للصناعة.

وفي زيارة وزيرة الخزانة جانيت يلين للصين مطلع العام الحالي، أعربت عن قلقها من الاستثمار الصيني الضخم في صناعة السيارات الكهربائية والقدرة الإنتاجية الضخمة التي حققت لديها فائض كبير من الإنتاج تفوق استيعاب السوق الصيني.

 وأكدت يلين في نهاية زيارتها للعاصمة الصينية أن الرئيس بايدن لن يسمح بتكرار الصدمة الصينية التي حدثت في بداية الألفينيات أن تتكرر.

ويقصد بالصدمة الصينية ما واجهه الاقتصاد الأمريكي مطلع الألفينات بعد تخفيف الجمارك على واردات الصين حيث كشفت ورقة بحثية بعنوان الصدمة الصينية منشورة في جريدة أتلانتك عام 2016، أن تخفيف الجمارك على المنتجات الصينية مطلع القرن الواحد والعشرين، أفقد 2 مليون عامل وظائفهم وأغلق مصانع ملابس وألعاب إلكترونية.

وقد ركز  ترامب في حملته الانتخابية الأولى على إنهاء الصدمة الصينية، ما ساهم في حسمه للولايات المتأرجحة مثل ميتشجان وبنسلفانيا، وبمجرد فوزه فرض تعريفات جمركية غير مسبوقة حينها.

كيف تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية مع الوارادات الصينية؟

على مدار ثلاث دورات انتخابية أمريكية لعبت الحرب التجارية مع الصين بصفة عامة والسيارات الكهربائية دورًا في برامج المرشحين، فالبداية كانت في 2016 مع الرئيس الأمريكي ترامب الذي رفع الجمارك في 2018، على صادرات صينينة من بينها السيارات الكهربائية تبلغ قيمتها أكثر من 360 مليار دولار، على رأسها السيارات الصينية الكهربائية.

ولم يقف الأمر برحيل الرئيس الجمهوري دونالد ترامب ومجيء الرئيس الديمقراطي جو بايدن الذي كان يعد بمراجعة قرارات سلفه، بل أنه فرض زيادات جمركية جديدة منتصف مايو الماضي على المنتجات الصينية.

فأصبحت الجمارك على الصلب والألومنيوم 25% بعد أن كانت تتراوح ما بين صفر إلى 7.5%، وزادت على أشباه الموصلات وألواح الطاقة الشمسية لتصبح 50% مقارنة بنحو 25% في السابق، وتضاعفت الجمارك على السيارات الكهربائية لتصبح 100% بدلا من 25%.

ويتوقع أن يبدأ ترامب فترته الرئاسية في يناير بمزيد من القرارات المتشددة على الوارادات الصينية عامة والسيارات الكهربائية فقط، حيث ألمح خلال حملته الإنتخابية لزيادة التعريفات الجمركية وتشير تصريحات أحد مساعديه إلى زيادة الجمارك بنسبة تبلغ 60%ـ بينما صرح ترامب نفسه مؤخرًا برفع الجمارك على كافة الوارادت الصينية بنسبة 10% بمجرد تسلمه الرئاسة في 20 يناير المقبل.

رد فعل الصين على القرارات الأمريكية

لم تستطيع الصين اتخاذ قرارات لمواجهة قرارات ترامب الأولى في 2018، إلا أنها أعلنت الاستياء وحاولت مراجعته بعد أن تسببت القرارات في مواجهة تضييق على صادرات لها تبلغ قيمتها 360 مليار دولار.

بينما كان الرد أكثر هدوءً على قرارات بايدن واكتفت بالإدانة، لأن السلع المرفوع جماركها يدخل منها للسوق الأمريكي ما قيمته 18 مليار دولار فقط ما يعد رقمًا ضئيلًا من إجمالي الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة الأمركية التي بلغت قيمتها 427 مليار دولار في 2023، علاوة على منهج الحزب الديمقراطي الذي اعتمد على فتح قنوات اتصال دبلوماسية مع الصينيين.

إلا أن لين جيان المتحدث باسم الخارجية الصينية استهجن من محاولات الولايات المتحدة الأمريكية للتضييق على بلاده فقال: لو كل بلد تم مطالبتها بخفض إنتاجها بما يفي بالطلب المحلي فكيف تنمو التجارة بين الدول، مشيرًا أن الصين تصدر 12% من السيارات الكهربائية بينما ألمانيا واليابان وأمريكا بيصدروا ب80% و50% و25% على التوالي.

ومع انتظار وصول ترامب إلى البيت الأبيض وتأكيده على محاربة الواردات الصينية والسيارات الكهربائية الواردة منها، خرج المتحدث باسم السفارة الصينية ليو بنغ يو بتغريدة على موقع "إكس" للتواصل الاجتماعي يحذر من مغبة توجه الرئيس الجديد وكتب يقول:"لا أحد سينتصر في حرب تجارية"، وأضاف "لا يوجد رابح في حرب الرسوم أو الحرب التجارية، كما أن العالم لن يستفيد من ذلك".

تأثير رفع الجمارك على الاقتصاد الأمريكي

في دراسة نشر في يناير الماضي بعنوان التأثيرات الاقتصادية في القطاعات المحمية بقرارات ترامب على نسب التشغيل؛ وجدت أن قرارات ترامب لم تفلح في نهوض الاقتصاد الأمريكي أو رفع معدلات التشغيل بل انعكست سلبيًا بصورة كبيرة خاصة في مجال الزراعة، لكنها استطاعت زيادة شعبية الحزب الجمهوري في الولايات التي تضم هذه الصناعات أكبر.

ودلت الدراسة على أن ملف حماية صناعة السيارات استخدمه المرشحين سياسيًا أكثر منه اقتصاديًا وإن كان الجمهوريين الأكثر استفادة لأـن ترامب أول من تعاطى مع تعاظم الاقتصاد الصيني وتهديده للاقتصاد الأمريكي.

ويؤكد الدكتور حسن الصادي أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة القاهرة أن رفع الجمارك الأمريكية ربما يأتي بنتائج عكسية لأن مستوردين السلع الصينية سيرفعون السعر لتحميل الزيادة على المستهلكين، ما يرفع من معدلات التضخم لا حقا.