في إحدى الليالي، كانت "فرقة المصريين" بقيادة الموسيقار هاني شنودة تحيي حفلًا في مدينة بورسعيد. بعد انتهاء الحفل، عاد أعضاء الفرقة إلى الفندق للراحة، وعندما دخل شنودة غرفته، سمع طرقًا على الباب. فتح الباب ليجد شابًا وسيمًا واقفًا أمامه، قال له "أنا عمرو عبد الباسط، وعايز أغني"، دعاه شنودة للدخول وطلب منه أن يسمعه صوته.
رغم وسامة عمرو، لم يكن هذا العامل هو الذي شدّ انتباه شنودة؛ بل كانت العذوبة التي وجدها في صوته، ومع ذلك اكتشف شنودة مشكلتين قد تعيقان طريق عمرو نحو الشهرة وهما لهجته البورسعيدية وإقامته الدائمة في بورسعيد بعيدًا عن قلب المشهد الفني في القاهرة، ونصحه شنودة بتجاوز هاتين المشكلتين.
غادر عمرو دياب الفندق، ولم يكن شنودة يعتقد أنه سيراه مرة أخرى. لكن في صباح اليوم التالي، وبينما كانت فرقة "المصريين" تستعد للمغادرة إلى القاهرة، فوجئ شنودة بعمرو يقف بجوار الأتوبيس مع أعضاء الفرقة. قال له عمرو بابتسامة "أنا جاي معاكم القاهرة". بالفعل، سافر عمرو إلى القاهرة وانضم إلى معهد الموسيقى العربية بوساطة من شنودة، الذي رأى فيه إصرارًا كبيرًا على إثبات نفسه في عاصمة الفن التي تضج الموهوبين.
لطالما كانت بورسعيد تحتل مكانة خاصة في قلب عمرو دياب، فقد كانت المدينة شاهدة على بداياته الموسيقية، حيث اعتاد الجيران سماع صوته وهو يخرج من منزل عبد الباسط عبد العزيز دياب ويغني أغاني عبد الحليم حافظ وأم كلثوم، حينها أدرك شقيقه "عماد" ووالدته حينها أن هذا الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره سيصبح يومًا ما نجمًا كبيرًا، وبات يتعلم الموسيقى ويتردد على قصور الثقافة في بورسعيد، حتى أتقن العزف على البيانو وغنى في حفل أقامته مدرسته بحضور المحافظ أغاني "حليم" الوطنية وعندما سمع صوت التصفيق يدوي في المكان تيقن من موهبته، وربما ليلتها أغمض عينيه وشاهد نفسه بعد سنوات أشهر مطرب في مصر والوطن العربي ويحمل لقب "الهضبة".
في إحدى المرات، تلقى شنودة مكالمة تفيد بأن عمرو دياب ترك معهد الموسيقى ويقضي وقته في لعب كرة القدم. توجه شنودة إلى الملعب ليجده يلعب بالفعل، عندما عاتبه، أجاب عمرو: "أنا بعمل عمرو دياب"، فهم شنودة حينها أن دياب كان يسعى إلى تحسين لياقته البدنية، مؤمنًا أن مظهر الفنان يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من شخصيته الفنية.
كان عمرو دياب دائمًا ينظر إلى المستقبل، يرى الشهرة تلوح في الأفق قبل أن يغني أو يعرفه أحد ففي إحدى المرات طلب شنودة من عمرو أن يجلسا على مقهى، لكن عمرو رفض قائلاً: "اللي هيشوفني على القهوة وهو بيشرب شاي بنص جنيه مش هيدفع ألف جنيه وييجي يشوفني لما أبقى مشهور".
تخلص عمرو دياب من كل ما كان يعرقل طريق شهرته وزنه الزائد وإقامته الدائمة في بورسعيد حتى اللهجة التي كانت تغلبه تخلص منها وجرى لسانه باللهجة القاهرية بينما بقيت بورسعيد في قلبه، وقدم مع مكتشفه الأول هاني شنودة الألبوم الأول"يا طريق" في 1983 وبعدها "نور ياليل"و "الزمن" و"في أحضان الجبل"، ومن ثم توالت الألبومات التي رسخت مكانته كأحد أعظم المطربين في الوطن العربي.
وهب عمرو دياب حياته للفن وخاض مشوار طويل ورحلة كفاح بدأها قادما من بور سعيد لا يملك سوى موهبته وصوته، حفر في الصخر وصنع اسطورته على مدار سنوات دون خفوت، يبحث عن كلمات أغاني جديدة، يواكب أحدث الألحان ويتعاون مع كبار الملحنين والشعراء وبات يمتلك شعبية جارفة تليق بحجم موهبته، وفي عيد ميلاده الـ63، يبقى عمرو دياب أيقونة موسيقية ينتظر الملايين ألبوماته الجديدة، ويثبت كل يوم أن النجاح ليس إلا نتاج كفاح وإيمان بالحلم، وعلى طريقة جملة أصدقاؤه في فيلم "آيس كريم في جليم" نقول له "بس إنت تغني واحنا معاك".