تواجه الأسواق العالمية والإقليمية تحديات اقتصادية متزايدة تؤثر سلبًا على استقرار الأسعار للسلع الأساسية، مما يجعل قضية الدعم الحكومي أكثر إلحاحًا.
في هذا الإطار، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، عن نية الحكومة للانتقال من نظام دعم السلع الأساسية إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة للمواطنين الأكثر احتياجًا، وذلك ابتداءً من السنة المالية المقبلة، والتي تمتد من يوليو إلى يونيو.
الرؤية الاقتصادية للتغيير
في هذا الإطار، أوضح الدكتور سيد خضر، الخبير الاقتصادي، في دراسة بعنوان "معضلة تحويل الدعم العيني والقضاء على الفساد الإداري"، أن الأزمات السياسية والاقتصادية العالمية، بالإضافة إلى الاضطرابات في الشرق الأوسط، أدت إلى توقف سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار السلع الغذائية. وتسبب ذلك في تفاقم الأعباء المعيشية على المواطنين، مما دفع الدولة المصرية إلى التفكير بجدية في إجراء تغيير جذري في نظام الدعم الحالي.
وأشار خضر إلى أن دعم السلع العينية لم يكن عادلاً بين جميع المواطنين، حيث حصل بعض الأفراد على الدعم رغم ارتفاع دخولهم، في حين حُرم آخرون من الدعم رغم دخولهم المتدنية، لذا، يرى أن التحول إلى الدعم النقدي سيكون خطوة ضرورية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين مستوى معيشة الفئات الأقل دخلاً.
أهداف الدعم النقدي
حدد خضر مجموعة من الأهداف الرئيسية للدعم النقدي، منها:
1. مكافحة الفقر وتقليل التفاوت الاجتماعي: حيث يسهم الدعم النقدي في زيادة دخول الأسر الفقيرة، مما يساعدها على تلبية احتياجاتها الأساسية.
2. تحسين مستوى المعيشة
يساعد الدعم النقدي الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية مثل الغذاء والتعليم والصحة.
3. تعزيز الاستقرار الاجتماعي
من خلال تقليل التفاوتات في الدخل وزيادة الشعور بالعدالة الاجتماعية.
4. تمكين الأفراد
يمنح الدعم النقدي الأفراد فرصة المشاركة في الأنشطة الاقتصادية، مثل التعليم والتدريب.
5. تحفيز الطلب الكلي
يدعم الإنفاق على السلع والخدمات، مما يزيد الطلب ويعزز النشاط الاقتصادي.
6. تحقيق العدالة الاجتماعية
يساعد على توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة.
7. تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي
يكون أكثر كفاءة في توجيه الدعم بما يلبي احتياجات المواطنين.
8. تعزيز الشفافية والمساءلة
يزيد من الوعي حول كيفية إنفاق الأموال العامة.
9. توفير المال العام
تحويل الدعم العيني إلى نقدي يسمح بتخطيط أفضل لنفقات الدعم.
10. تحسين الخدمات
يعزز مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
استراتيجيات الدعم النقدي
أشار خضر إلى أن استراتيجيات الدعم النقدي تتنوع، ومنها:
1. الدعم النقدي غير المشروط
يقدم للأسر دون شروط.
2. الدعم النقدي المشروط
يرتبط بشروط معينة، مثل تعليم الأطفال.
3. الدعم النقدي المؤقت
يقدم لمدة محددة لمساعدة الأسر في أوقات الأزمات.
4. الدعم النقدي الدائم
يستهدف الأسر الفقيرة على المدى الطويل.
التحديات في تنفيذ برامج الدعم النقدي
تتمثل التحديات الرئيسية في:
1. تحديد المستحقين بدقة
يتطلب نظامًا فعالاً لجمع البيانات والتحقق من الأهلية.
2. القضاء على الفساد الإداري
يحتاج لآليات فعالة لمراقبة التوزيع.
3. تأثير الدعم على الحوافز للعمل
قد يؤدي الدعم النقدي إلى تقليل الحوافز لبعض الأفراد.
4. سوء الاستخدام: قد يستخدم المستفيدون الدعم في أغراض غير ضرورية.
5. التضخم
زيادة الطلب قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
6. القدرة الشرائية
قد لا يكون الدعم كافيًا في ظل ارتفاع الأسعار.
نموذج الدعم النقدي عالميًا
هناك العديد من الدول التي تطبق نظام الدعم النقدي بنجاح، مثل:
البرازيل: برنامج "Bolsa Família" ساهم في تقليل الفقر.
المكسيك: برنامج "Oportunidades" يعزز التعليم والصحة.
كندا: تقدم مجموعة من برامج الدعم للأسر ذات الدخل المنخفض.
طرق تحسين فعالية الدعم النقدي
لتعزيز فعالية الدعم النقدي في مصر، يمكن اتباع عدد من الإجراءات:
1. تحسين استهداف المستحقين
عبر تطوير آليات دقيقة لجمع البيانات.
2. زيادة كفاءة التنفيذ والرقابة
من خلال تبسيط الإجراءات وتعزيز الرقابة.
3. ربط الدعم بالبرامج التنموية
كتشجيع الاستثمار في التعليم والصحة.
4. تعزيز الشفافية والمساءلة
عبر نشر المعلومات وإتاحة قنوات للمراجعة.
أهمية الدعم النقدي مقارنة بالدعم العيني
تظهر أهمية الدعم النقدي في:
1. الكفاءة والمرونة
يمنح المستفيدين حرية اختيار ما يحتاجونه.
2. تعزيز الكرامة والاستقلالية
يحافظ على كرامة المستفيدين.
3. التنمية الاقتصادية والاجتماعية
ينشط الاقتصاد المحلي.
4. الشفافية والإفصاح
يزيد من وضوح عملية الإنفاق الحكومي.
آليات الحد من الفساد
يتطلب تعزيز الشفافية والمساءلة في الدعم النقدي:
نشر قوائم المستفيدين.
إنشاء آليات للمساءلة.
استخدام التقنيات الحديثة لتقليل فرص الفساد.
توعية المستفيدين حول استخدام الدعم بشكل صحيح.
تحويل الدعم العيني إلى نقدي: مزايا جديدة للمواطن المصري
ومن جهته أكد حازم المنوفي، عضو شعبة المواد الغذائية في الاتحاد العام للغرف التجارية، أن هناك العديد من الفوائد التي ستعود على المواطنين من التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي،مشيرا إلى أن أبرز هذه الفوائد تتمثل في منح المواطنين حرية اختيار السلع التي يحتاجون إليها، بدلاً من إجبارهم على الحصول على سلع معينة قد لا تلبي احتياجاتهم الفردية.
وأوضح المنوفي في تصريحات صحفية، أن الدعم النقدي يتيح للأسر المستحقة الحصول على مبلغ شهري يمكنهم من تلبية احتياجاتهم الأساسية، مما يعزز قدرتهم على شراء السلع الاستهلاكية التي تتناسب مع احتياجاتهم.
كما يساعد هذا التحول في تحقيق العدالة الاجتماعية وزيادة الكفاءة الاقتصادية، ويعد آلية فعالة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه من خلال تنقية بطاقات التموين وتحديد الفئات المستحقة الفعلية.
وأضاف المنوفي أن متطلبات الحياة تتطور مع مرور الوقت، وهو ما دفع الحكومة للتفكير في التحول نحو الدعم النقدي.
وأوضح أن هذا التحول من شأنه تقليل التجاوزات المرتبطة بتوزيع السلع، بالإضافة إلى تخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة، حيث تقدر فاتورة الدعم السلعي في موازنة العام المالي الجديد بنحو 636 مليار جنيه.
وشدد المنوفي على أهمية وجود آلية محددة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، مما يسهم في دعم محدودي الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية.
كما دعا إلى إنشاء لجنة تعقد اجتماعات دورية لتحديد مبلغ الدعم النقدي وفقًا للمتغيرات الاقتصادية، بما في ذلك نسب التضخم وتطور الأسعار.
وفيما يتعلق بموعد تطبيق التحويل إلى الدعم النقدي، أشار المنوفي إلى أن هذا التحول لا يزال في مرحلة الدراسة ولم يتم تحديد موعد تنفيذه على أرض الواقع.
وأوضح أن الحكومة تأخذ الوقت الكافي لدراسة التحول لتجنب الأخطاء التي شهدتها منظومة الدعم العيني، مؤكدًا أنه إذا تم تطبيق الدعم النقدي بدقة، فإنه سيساهم في ضمان وصول الدعم إلى مستحقيه.
وتوقع المنوفي أنه في حال موافقة مجلس الحوار الوطني ومجلس النواب على هذا التحول، فمن المرجح أن يبدأ تطبيق الدعم النقدي خلال السنة المالية الجديدة، أي اعتبارًا من شهر يوليو المقبل.
وفي النهاية، يؤكد الخبراء أن التحول إلى نظام دعم نقدي يتطلب إدارة فعالة وتطبيقًا حقيقيًا لتحقيق أهدافه في تحسين مستوى المعيشة وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.
لذا، يجب التركيز على إعادة هيكلة منظومة الدعم لتكون أكثر كفاءة وفعالية، مع فرض رقابة صارمة على الأسواق، ودعم الفئات محدودة الدخل لمواجهة آثار الإصلاح الاقتصادي.