تشهد أسواق الطاقة ضغوطًا متزايدة مع تصاعد المخاطر في منطقة الشرق الأوسط، في ظل تطورات متسارعة تُهدد بزيادة التصعيد بين الأطراف الإقليمية المتناحرة.
وكانت الضربات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول، أحدث حلقة في سلسلة التصعيد المتبادل، بعدما شنت إسرائيل ضربات مكثفة على مناطق متعددة، خاصة في لبنان، والتي أسفرت عن اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
في ظل هذه التوترات الجيوسياسية المتفاقمة، ومع انتظار "رد إسرائيلي" على الهجمات الإيرانية، وفقاً لتهديدات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو برد حاسم، تبدو المنطقة على حافة صراع إقليمي واسع، قد يتفاقم إلى حرب شاملة كانت الأطراف تحاول تجنبها في السابق.
مع بداية الربع الثالث من عام 2024، ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 5% بعد الضربة الإيرانية، مما يعكس رد فعل الأسواق لتصاعد التوترات. ويتوقع الخبراء استمرار تأثير هذه التوترات على الأسعار مع استمرار المواجهات بين الأطراف دون أي حلول تلوح في الأفق.
وتبرز أسواق الطاقة الدور الكبير الذي تلعبه المخاطر الجيوسياسية في تحديد ديناميكيات الأسعار. فكلما تصاعدت التوترات في منطقة الشرق الأوسط، تزايدت المخاوف من تعطيل الإمدادات النفطية، وهو ما ينعكس فوراً في ارتفاع الأسعار. خاصة أن الشرق الأوسط يمثل منطقة حيوية للإنتاج العالمي للنفط، مما يجعل أي تهديد للاستقرار هناك مثار قلق كبير للمستثمرين.
وتتوجه الأنظار الآن إلى إمكانية حدوث صدمات تؤثر على توازن السوق. وفي هذا السياق، ستكون ردود الأفعال السريعة من كبار اللاعبين في السوق، مثل منظمة أوبك وحلفائها، حاسمة في تحديد اتجاهات الأسعار، وقد تتطلب المرحلة المقبلة اتخاذ إجراءات عاجلة للتعامل مع هذه التحديات المتزايدة.
وتتوقع منظمة أوبك أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى 118.9 مليون برميل يومياً بحلول عام 2045، بزيادة قدرها 2.9 مليون برميل يومياً عن التوقعات الواردة في تقرير العام السابق، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 120.1 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050. وأشارت المنظمة إلى أن الطلب العالمي سيصل في عام 2028 إلى 111 مليون برميل يومياً، ثم يرتفع إلى 112.3 مليون برميل يومياً في عام 2029. وتفوق هذه التوقعات الخاصة بعام 2028 تقديرات العام الماضي بنحو 800 ألف برميل يومياً.
وفي هذا التقرير، نعرض آراء خبراء الطاقة حول ما إذا كان العالم سيشهد ارتفاعًا أكبر في أسعار النفط.
في البداية تقول الدكتورة وفاء علي، أستاذة الاقتصاد والطاقة بجامعة السويس، إن أسعار النفط شهدت ارتفاعاً كبيراً لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ شهر، وذلك نتيجة التصعيد المتزايد بين إيران وإسرائيل، مشيرة إلى أن أسواق الطاقة كانت في حالة ترقب قبل هذا التصعيد، لكن بعد تهديد إسرائيل بتدمير المنشآت النفطية الإيرانية، تجاوزت أسعار النفط حاجز 75 دولاراً للبرميل.
وأضافت الدكتورة وفاء، في تصريح خاص ل " بلدنا اليوم"، أن استمرار التصعيد قد يدفع الأسعار إلى مستويات محورية، مما سيؤثر بشكل مباشر على جميع جوانب الحياة ويعيد التضخم إلى الواجهة، موضحة أنه في حال تعرضت المنشآت النفطية الإيرانية لضربات فعلية، قد تضطر منظمة "أوبك بلس" إلى التراجع جزئياً عن تخفيضات الإنتاج الطوعية.
وأوضحت أستاذة الاقتصاد والطاقة، أن إيران، رغم العقوبات المفروضة عليها، تنتج نحو 4 ملايين برميل يومياً، يتم تصدير معظمها إلى الصين عبر ماليزيا، مما يمثل حوالي 70% من إيرادات الدولة الإيرانية.
وحذرت قائلة: إن الخطر القادم يتمثل في زيادة علاوة المخاطر، التي ستؤدي إلى ارتفاع أكبر في أسعار النفط، مشيرة إلى أن تطور المشهد الحالي يمثل جرس إنذار بأن الوضع لا يزال مفتوحاً على كافة الاحتمالات، ولفتت إلى أن ما وراء الأرقام يشير إلى أن الاقتصاد العالمي قد يدخل في مسار إجباري نحو مزيد من المخاطر، في ظل التصعيد المستمر.
ومن جهته، يؤك الدكتور رمضان أبوالعلا، أستاذ هندسة البترول وخبير الطاقة الدولي، بأن أسعار النفط مرشحة للارتفاع، وهو تطور منطقي في ظل تصاعد الصراع بين إسرائيل وحزب الله اللبناني وإيران في منطقة الشرق الأوسط، موضحاً أن أي ظروف صعبة أو توترات سياسية تؤدي بشكل مباشر إلى زيادة الأسعار، لا سيما إذا كان هذا الصراع أو التغير المناخي مرتبطًا بمناطق إنتاج النفط.
وأضاف أبوالعلا، في تصريح خاص ل "بلدنا اليوم"، أن منطقة الشرق الأوسط تُعتبر أهم مناطق إمدادات الطاقة في العالم، مما يُشير إلى أن الأسعار من المتوقع أن تشهد زيادة تدريجية، مؤكداً أن طول فترة الصراعات السياسية يُساهم في تسريع ارتفاع أسعار النفط والغاز.
وعن إمكانية استهداف إسرائيل للمنشآت النفطية الإيرانية، أوضح خبير الطاقة الدولي أن هذا الأمر سيؤدي إلى إحداث إزعاج كبير على مستوى العالم، لكنه يعتقد أن ذلك لن يحدث، وأن أي تحرك من قبل إسرائيل في هذا الاتجاه سيعود بالضرر عليها، حيث من المحتمل أن ترد إيران بضرب حقول النفط الإسرائيلية.
وأشار خبير الطاقة الدولي، إلى أن الأحداث ستتجاوز الانتقام المباشر إلى الانتقام الدولي في حالة حدوث ذلك، نظرًا لأن إيران تُعتبر مورّدًا رئيسيًا للنفط لدول العالم، ولأن الدول الأوروبية لن تسمح بحدوث ذلك، كونها ستكون من بين أول المتضررين.