دوت صافرات الإنذار والغارات الجوية في جميع أنحاء إسرائيل والضفة الغربية المحتلة بعدما أطلقت إيران عشرات الطائرات المسيرة والصواريخ باتجاه تل أبيب ردًا على مقتل عدد من كبار الضباط الإيرانيين في القنصلية الإيرانية بدمشق ما يمثل تصعيدًا كبيرًا في الشرق الأوسط، فماذا بعد هذه الضربات وكيف سيكون الرد الإسرائيلي عقب سقوط آخر الخطوط الحمراء بين طهران وتل أبيب؟
وقال محمد كامل عمرو، وزير الخارجية الأسبق، إن المنطقة تشهد حالة من التصعيد غير مسبوقة التي بدأت باستهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق خلال الفترة المقبلة وانتهت بقصف تل أبيب بعشرات الطائرات المسيرة.
وأضاف عمرو في تصريحات خاصة لجريدة «بلدنا اليوم» أن الرد الإيراني كان متوقعًا خاصة بعد مقتل عدد من كبار الضباط العسكريين في القنصلية بسوريا.
وتابع وزير الخارجية الأسبق، أن الوضع في الشرق الأوسط لا يحتمل ردًا من إسرائيل على الهجمات الإيرانية، خاصة وأن الضربات تعدت حدود المنطقة ما يزيد من مخاوق الانزلاق في حرب مفتوحة ويعود بالضرر على الجميع.
وحول انعكاس زيادة التوترات بين طهران وتل أبيب على غزة، قال إن مردود الضربات الإيرانية على إسرائيل يضيف بعدًا جديدًا ويجذب الأنظار بعيدًا عما يحدث في قطاع ما يجعل تحديد إيجابيته أو سلبيته على غزة غاية في الصعوبة خلال الوقت الحالي.
وأرجع وزير الخارجية الأسبق، تأجيل أو تعجيل الهجوم الإيراني على إسرائيل من خطة تل أبيب لاجتياح رفح الفلسطينية إلى أولويات تل أبيب الحالية وتطورات الأحداث وهو ما سيحدد فيما بعد.
ومن جانبه، قال العقيد حاتم صابر خبير مكافحة الإرهاب الدولي وحرب المعلومات، إن الخلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وإسرائيل تتسم بأنها خلافات كرتونية ليس لها أي رد فعل حقيقي على الأرض سوى الاستخفاف بالمنطقة العربية والوصول إلى أكبر مكاسب.
وأضاف صابر في تصريحات خاصة لجريدة «بلدنا اليوم» أنه بالعودة إلى التاريخ نجد أن فضيحة إيران كونترا في 1986 والتي تمثلت في بيع إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان أسلحة إلى طهران عندما كانت تخوض حربًا مع العراق مقابل إطلاق سراح مواطنين أمريكيين محتجزين في إيران، وبعدها تم إرسال الأموال المستلمة من الأسلحة إلى الكونترا في نيكاراجوا رغم حظر الكونجرس لمساعدة واشنطن للكونترا، ما يؤكد عمق العلاقات الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية في الخفاء.
وأشار خبير مكافحة الإرهاب الدولي إلى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قال في حديث متلفز إن إيران استأذنت واشنطن قبل الهجوم على قاعدة عسكرية أمريكية في العراق، ردًا على مقتل الولايات المتحدة للقائد العسكري الإيراني قاسم سليماني.
وأردف أن الهجوم الإيراني على إسرائيل الذي انتهى دون تكبيد تل أبيب أي خسائر تذكر يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أولًا وعي السياسية المصرية التي فضخت المخطط منذ بداية السابع من أكتوبر الذي كان يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وإعادة تشكيل المنطقة وفقًا للرؤية الأمريكية الصهيونية، ما دفعهم إلى التفكير في عمل جديد لجذب أنظار العالم في اتجاه آخر بعيدًا عن غزة، وإعطاء فرصة لإسرائيل لتوسيع دائرة الانتقام لسوريا ولبنان والعراق واليمن.
وأشار إلى أن الضربات الإيرانية على إسرائيل ستنعكس سلبيًا على القطاع، لأنها سحب أنظار العالم بعيدًا عما تعتزم تل أبيب عمله في غزة، مضيفًا أن سلطات الاحتلال تريد من ذلك اجتياح رفح التي تعتبر آخر محطة لإسرائيل لتحقيق أي انتصار قبل انتهاء العملية العسكرية البرية في غزة لضمان بقاء نتنياهو في السلطة.
ولفت العقيد حاتم صابر إلى أن الهجوم الإيراني وفر لإسرائيل غطاء سياسي يشير إلى أن طهران هى محرك الرئيسي لحماس، كما أنها تشن هجمات داخل العمق الإسرائيلي، مضيفًا أن ما حدث هو غطاء لتل أبيب لما ستفعله مستقبلًا ويعجل من خطة إسرائيل لاجتياح رفح.
واستكمل حديثه قائلًا:" أن إيران تحاول تنفيذ المخطط الإسرائيلي الأمريكي فيما يعرف باسم الهلال الشيعي الذي يتمركز في إيران ويخرج شمالًا إلى العراق وسوريا ولبنان ثم اتجه إلى اليمن متمثلًا في الحوثيين، ليرسم الهلال الشيعي كما خطط له عام 2015".
وتابع: "أن القاهرة قدمت ما يمكن تقديمه لسحب الكثافات السكانية من رفح لتفادي وقوع خسائر في الأرواح، والمساعدات المصرية لقطاع غزة تمثل 85% من إجمالي حجم المساعدات العالمية، ودخول مصر في عمل عسكري مستبعد".
وفي السياق نفسه، قال وجدان عبد الرحمن، الباحث في الشأن الإيراني، إن طهران لا تمتلك خيارًا سوى الرد وهى مضطرة إلى ذلك، لأن إسرائيل لديها استراتيجية جديدة بإنهاء الوجود الإيراني في سوريا، وهو أمر لا تقبله طهران.
وأضاف عبد الرحمن في تصريحات خاصة لجريدة «بلدنا اليوم» أن هناك 3 عوامل تحدد شكل التصعيد فيما بعد، الأول حجم تأثير الضربات الإيرانية على إسرائيل، والثاني مدى قوة الدور الأمريكي في احتواء تل أبيب ومنعها من الرد بشكل أكبر، والثالث يتمثل في طبيعة الرد الإسرائيلي وشكله وإلى أى مدى سيذهب.
وتابع الباحث في الشأن الإيراني، أنه من الواضح أن المنطقة ذهبت إلى تصعيد بلا عودة، ومعركة طوفان الأقصى خلقت بؤرة توتر إقليمي لصالح المقاومة في غزة.
وأشار إلى أن غزة ستستفيد من أي توتر في المنطقة ضد إسرائيل سواء من أنصار الله في العراق أو الحوثيين في اليمن أو حزب الله في لبنان، أو سوريا واليوم تضاف إيران إلى المعادلة.
وأكد وجدان أن إسرائيل تستفيد أيضًا من هذه التوترات في الخروج من مأزق السابع من أكتوبر، وعدم تحقيق انتصارًا استراتيجيًا واحدًا في غزة، وإمكانية استعادة تل أبيب عن لقوة الردع الإسرائيلي الذي فقدته في الأحداث الأخيرة، والثالث خلق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو خطرًا مبالغًا فيه حتى يستطيع تشكيل اصطفاف داخلي حوله لتوحيد الداخل الإسرائيلي.
وقال أستاذ العلوم السياسية، علي تمي، إن المنطقة تتجه شيئًا فشيئًا نحو التصعيد والساحة الرئيسية هي سوريا، وتحاول طهران اليوم بشتى الوسائل حجز موطئ قدم لها داخل سوريا كفاتورة تدخلها لصالح النظام في دمشق.
وأضاف تمي في تصريحات خاصة لجريدة «بلدنا اليوم» أن طهران قفزت إلى داخل غزة لنقل المعركة في المراحل المتقدمة والتقرب إلى العنق الإسرائيلي، بينما واشنطن لن تكرر تجربة العراق في سوريا بعد سقوط النظام واستيلاء المليشيات الإيرانية عليها.
وأشار إلى أن طهران نقلت المعركة إلى غزة بهدف انتزاع ورقة تفاوضية إضافية مع واشنطن واختارت التوقيت الصحيح وهو القرب من الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024.
وتابع أن واشنطن لا يمكن أن تساوم على سوريا مهما كُلفت من الأمر، مرجحًا عدم فتح مواجهة عسكرية مباشرة بين تل أبيب وطهران خلال الفترة المقبلة، مضيفًا أن إيران تمتلك أوراقًا في سوريا يمكن أن تحركها أينما وكيفما شاءت، وأضعف نقطة في اللعبة اليوم هو تجييش ميليشياتها قرب ديرالزور في شمال شرق سوريا حيث قواعد الجيش الأمريكي هناك وبالتالي التصادم آت لا محالة.
وأردف أستاذ العلوم السياسية، أنه منذ بدء الحرب في غزة وواشنطن تحاول بشتى الوسائل المحافظة على التهدئة في باقي الجبهات والحرص على عدم توسيع رقعة الصراع والمواجهة، وخاصة وأن قواعدها في سوريا والعراق ودول الخليج هي أهداف عسكرية مشروعة لطهران، بينما الغرب يدعم إسرائيل اليوم لتحقيق هدفين، الأول الضغط على القاهرة للرضوخ لمطالب تل أبيب وهو استقبال اللاجئين مقابل مكاسب مادية.
وتابع:" والهدف الثاني يتمثل في إفراغ غزة من سكانها بشكل كامل وبالتالي التخلص من هذه البقعة الجغرافية التي تشكل نقطة ضعف لها داخل حدودها السياسية".
وأضاف أن القاهرة تتعامل مع هذا الملف بحنكة دبلوماسية، للمحافظة على الهدوء وعدم التصعيد مع تل أبيب وواشنطن في نفس الوقت، وعدم قبول استيطان اللاجئين من غزة داخل سيناء، لهذا السبب تعتبر هذه معركة إيرانية وأجنداتها مختلفة.
واختتم حديثه قائلًا:" إن الدائرة الأكثر السخونة للصراع اليوم سيكون داخل سوريا وتحديدا في أقصى الشمال الشرقي وفي البادية السورية ودير الزور وخاصة اليوم الحديث يتصدر هو حول عودة تنظيم الدولة بنسخة جديدة وأجندات مختلفة".