لازالت تداعيات فيلم "الملحد" تلقي بظلالها، بينما هو حبيس الإدراج لم يخرج للنور بعد، بداية الأزمة جاءت سريعاً عقب إطلاق الإعلان الترويجي للفيلم ليواجه موجة من الانتقادات، بداية من اسمه ونهاية بقضية الإلحاد التي يتناولها الفيلم يتخللها اسم إبراهيم عيسى، الذي تأتي أعماله دائماً بما لا تشتهيه أفكار السلفيين.
تبارى السلفيين في محاربة الفيلم وإطلاق سهام الانتقادات صوبه أبرزها تصويره للمتدينين بصورة عنيفة، وكان من بين المنتقدين "يوتيوبر إسلامي" شهير ونشر فيديو يهاجم فيه الفيلم تحت عنوان "مطلعين الشيخ بيعض الناس في الفيلم"، متسائلاً عن كيفية تصوير "الشيخ" بشكل غير لائق، وذلك بعد أقل من 24 ساعة من طرح الإعلان الترويجي، بينما تفرغ آخرون لكتابة "بوستات" ونشر فيديوهات تهاجم الفيلم وصناعه وتدعو لمقاطعته وأعلنوا الحرب على الفيلم بـ"لايك وكومنت وشير" على مواقع التواصل الإجتماعي، وكأنها أصبحت وسيلة فعالة لنشر آراءهم ومقاومة عمل فني.
ما بين انتقادات على السوشيال ميديا سبقتها معاناة استمرت 3 سنوات بسبب عراقيل رقابية وانسحاب الفنان الراحل مصطفى درويش وتبرؤه من الفيلم، بعد أن صوّر فيه لمدة أربعة أيام، وبرر موقفه من الانسحاب حينها عن قلقه بسبب ارتباط الفيلم بمؤلفه إبراهيم عيسى المعروف بالجرأة الشديدة في كتاباته، كل ذلك ساهم بشكل كبير في تأخير عرضه.
إبراهيم عيسى نال نصيب الأسد من الهجوم والانتقاد بسبب آراءه وأفكاره، كما هي عادة أفلامه السابقة التي بدأها بأول أفلامه «مولانا»، ثم فيلم "الضيف" وثالثهما فيلم "صاحب المقام" ولم يخلو أي منهما من أزمات وهجوم خاصة من السلفيين إلا أن "الملحد" رابع أفلامه تعرض لعاصفة إنتقادات "فيسبوكية" جعلته يغرد عبر حسابه على موقع "X" مشيدًا بالتحولات الأدبية التي شهدها تاريخ الأدب المصري بعد منع الأعمال، حيث ذكر أمثلة لأعمال أدبية لم تُمنع وأصبحت خالدة، وكتب: "الفن أقوى من المنع ومن الرصاص بل ومن الموت".
لم يكن أكثر المتشائمين من صناع الفيلم يتوقعون الهجوم قبل عرضه، حتى أحمد حاتم "بطل الفيلم" قال في عام 2022: "فيلم الملحد هيتشتم وهيواجه حرب شرسة"، ويقصد بعد العرض وليس قبله، بينما المنتج محمد السبكي كان يأمل في يتم طرحه في دور السينما في 14 أغسطس الماضي بعد سنوات من التأخير ليجني ما تم صرفه على الفيلم لأنه الخاسر الأكبر بصفته منتجاً، بينما مخرجه محمد العدل أطلق تصريحاً مثيراً للجدل قبل موعد عرض الفيلم بيومين حيث قال: "الفكر يتواجه بالفكر، مش بالمنع"، معبراً عن عدم معرفته بسبب تأجيل العرض.
السينما قدمت أفلام سابقة تناولت موضوع الإلحاد، منها فيلمي "الشحات" و"الأخوة الأعداء"، دون أن تواجه أي من هذه الأعمال منعاً، أو تحدث حولها ضجة ربما لعدم وجود السوشيال ميديا حينها التي باتت الآن محرك رئيسي للنقاش حول الأعمال الفنية وأرض خصبة لنشر الأراء، وتقف بالمرصاد لعمل فني قبل أن يرى النور، بسبب موضوعه عن الإلحاد والتطرف الديني دون الانتظار بعد العرض حتى يكون الحكم عادلاً وموضوعياً، سواء "الملحد" أو غيره ليس فوق مستوى النقد سواء من الجمهور أو النقاد ولكن من الغريب أن يأتي النقد قبل "المُنتقد".
مصير فيلم "الملحد" لا يزال غامضاً، قد يُعرض قريباً أو في أسوء الحالات يُمنع، لكن يبقى الفيلم حاضراً يعافر بين صراع الفن و "لايك وكومنت وشير" السلفية التي تتخذ على عاتقها الرقابة المجتمعية وتشن هجوماً على كل فكرة لا تتوافق مع آرائها وتصدرها على أنها من الثوابت التي لا يجب الاقتراب منها أو التصوير.