عملية اغتيال هي الأهم في تاريخ إسرائيل، هكذا وصف المتحدث باسم جيش الاحتلال عملية استهداف الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله التي تمت في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، أمس، لكن الوصول إلى أكبر قيادي في حزب الله وأحد أهم الفاعلين في تحالف محور المقاومة ككل كان عملية معقدة، فكيف نجحت؟
لعل البداية لهذه العملية ترجع إلى العام 2006، وتحديدًا في 14 يوليو، وفي خضم الحرب التي شنها جيش الاحتلال على لبنان والمعروفة بحرب تموز، فحينها استهدفت الطائرات الإسرائيلية مقر ومكتب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ودمرته تمامًا، فيما نجا من الهجوم بأعجوبة.
عقب نهاية هذه الحرب أدركت تل أبيب أن مهمتها فشلت وأن مواجهتها مع حزب الله لم تؤدي إلى إخضاعه أو إضعافه، وأجرت دوائر الأمن والاستخبارات في دولة الاحتلال دراسة تفصيلية عن أسباب الفشل في حرب العام 2006، وخلصت إلى مجموعة من النتائج منها أن الفشل الاستخباري التكتيكي الذي واجهته إسرائيل.
ووفقًا لدراسة نشرها معهد الأمن القومي الإسرائيلي، في وقت لاحق، فإن من أهم أسباب الفشل الاستخباري لدولة الاحتلال كان عدم وجود مصادر بشرية داخل حزب الله تمد الاستخبارات الإسرائيلية بالمعلومات بشأن الحزب، فضلا عن الفشل في تحليل المعلومات الاستخبارية وتقييمها وغيرها من الأمور التي أشارت لها الدراسة.
وانطلاقا من دروس حرب العام 2006، عملت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وتحديدًا جهاز الاستخبارات الخارجية والعمليات الخاصة "الموساد" والوحدة 504 في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" على تجنيد عملاء لهم في قلب لبنان، ثم ساهم انخراط الحزب في الحرب الأهلية السورية في اختراقه بشكل غير مباشر إذ أصبح الحزب كتابا مفتوحًا أمام أجهزة الاستخبارات المعادية له بما في ذلك الاستخبارات الإسرائيلية.
فبفعل الخسائر التي تلقاها الحزب في الساحة السورية، اضطر إلى إجراء عملية تجنيد واسعة لمقاتلين جدد لم يتم التدقيق في خلفيتهم الأيديولوجية بشكل كامل، أي أن عملية التجنيد الجديدة لم تكن كالعمليات التقليدية التي كان المعيار فيها الإيمان العقدي والأيديولوجي بمبادئ الحزب والثورة الإيرانية.
وسمح التوسع في عملية التجنيد بتسرب عملاء إلى داخل شبكة حزب الله التي كانت شبكة مؤمنة على مستوى عالي، غير أن الوضع تغير في ما بعد، كما أن الدخول إلى سوريا سمح بتحديد هوية قادة الحزب والحصول على معلومات حول قيادته العليا التي اعتادت العمل في الظلال وهو ما لم يتناسب مع طبيعة الأوضاع والميدان في سوريا.
المعلومات الاستخبارية عالية القيمة
وسمحت المصادر البشرية التي جرى تجنيدها بجانب استخبارات الإشارة التي تُجمع عبر اعتراض الاتصالات والإشارات الإلكترونية المختلفة للاستخبارات الإسرائيلية وكذلك للاستخبارات الأمريكية بالحصول على معلومات عالية القيمة بشأن قيادة حزب الله وعلى رأسها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
وساهم التراخي الأمني للحزب بجانب تخليه عن إطاره عمله التقليدي كمنظمة سرية وتحوله إلى العمل بصورة تشبه الجيش النظامي في زيادة فاعلية العملاء وتسهيل الحصول على المعلومات والبيانات عبر استخبارات الإشارة، ثم جاءت عملية "البيجر" التي لم تكن عملية تفجير تقليدية لأجهزة اتصال لا سلكية بل سبقتها عملية تحديد لمواقع قيادات حزب الله عن طريق نفس الأجهزة التي سُربت لحزب الله قبل ذلك، ومن ثم عدّ تفجيرها بمثابة شرارة بدء العملية الأوسع.
ورغم أن الأمين العام لحزب الله تمتع بأمنيات عالية تحت حماية وحدة خاصة بقسم أو جهاز الأمن الوقائي التابع لجهاز الأمن التابع للحزب والمعروف باسم "جهاز أمن المقاومة" إلا أن اضطراره للحركة للقاء قادة مجلس الجهاد الذي يُمثل هيئة أركان الحزب ساهم في تحديد مكانه.
عملية اغتيال حسن نصر الله
ولم يكن موعد عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله محسوم سلفًا لكن وضعت الخطة من قبل الجيش والاستخبارات الإسرائيلية بالاتفاق مع المستوى السياسي الذي يمثل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو والمجلس الوزاري الأمني المصغر "الكابينت"، كما أجريت خطة تضليل مشتركة ساهمت فيها الولايات المتحدة وكان من بين هذه الخطة سفر "نتنياهو" إلى نيويورك لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي هذه الأثناء، كان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله على موعد مع اجتماع في الضاحية الجنوبية مع قائد القيادة الجنوبية للحزب علي كركي والعميد عباس نيلفروشان مسؤول ملف لبنان في فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، في مقر عملياتي محصن للحزب تحت الأرض، وعندما تأكدت الاستخبارات الإسرائيلية من وصوله إلى الاجتماع، جرى الاتصال بـ"نتنياهو" الذي وافق على العملية لتغير 8 مقاتلات من طراز F- 15 تحمل كل منها 6 قنابل GBU-31 مزودة برؤوس خارقة للتحصينات( معروفة بأم القنابل)، تزن الواحدة منها 1 طن على المربع الذي يوجد فيه مقر الحزب، وخلال دقائق أفرغت تلك المقاتلات حمولاتها الثقيلة التي تصل لـ48 طن من المتفجرات شديدة الانفجار على المقر حيث قضى حسن نصر الله ورفاقه بعد رحلة طويلة في قيادة الحزب وحياة دراماتيكية أثارت حوله الجدل حيا وميتًا.