خلال أقل من شهر، تقدم 4 مسؤولين عسكريين واستخباراتيين وأمنيين في دولة الاحتلال الإسرائيلي باستقالتهم كان آخرهم العميد "يوسي سارييل"، قائد الوحدة 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، فيما ادعت قناة "كان" العبرية، إحدى وسائل إعلام إسرائيلية أن رئيس أركان جيش الاحتلال "هرتسي هاليفي" يفكر بالاستقالة بحلول نهاية ديسمبر الجاري بيد أنه هيئة البث الإسرائيلية نفت هذا الأنباء في وقت لاحق.
وسبق أن تقدم قائد لواء الشمال، وقائد وحدة التحقيقات، وأخيرًا قائد الشرطة الإسرائيلية فى الضفة الغربية اللواء عوزى ليفى باستقالتهم من منصبهم، ويتزامن ذلك مع الصراعات داخل مجلس الحرب وحكومة جيش الاحتلال وكذلك التصعيد في الضفة الغربية وعلى الجبهة الشمالية التي يواصل حزب الله اللبناني قصف أهداف متفرقة فيها.
ومن الواضح أن استقالة مسؤولي الشرطة الإسرائيلية جاء بسبب تصعيد المقاومة الفلسطينية في شمال وجنوب الضفة الغربية عملياتها في الفترة الأخيرة، فضلا عن خلافتهم مع وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير وخشيتهم أن يتم تحميلهم مسؤولية الفشل الأمني في الضفة الغربية.
أما مسؤول وقائد الوحدة 8200 الإسرائيلية ذائعة الصيت والتي تعد القلب النابض للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، فقرر الاستقالة بسبب الفشل الاستخباراتي الذريع الذي منيت به "تل أبيب" في هجمات الـ7 من أكتوبر، وهو ما يظهر من كلماته التي دونها في الاستقالة، ونقلتها صحف عبرية منها "تايمز أوف إسرائيل"، إذ قال:"في 7 أكتوبر الساعة 06:29، لم أقم بالمهمة كما توقعت وكما توقع مرؤوسي وقادتي ومواطنو بلادي"، مضيفًا أنه استقال بسبب إخفاقه وكي يتيح الفرصة أمام آخرين لتولي قيادة الوحدة.
وتعد وحدة 8200 أهم وحدة استخباراتية في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، وهي مسؤولة عن جمع المعلومات الإلكترونية أو استخبارات الإشارة كما أنها مسؤولة عن الأبحاث الاستخباراتية بما في ذلك تقديرات المواقف المختلفة التي يُبنى عليها القرارات العملياتية داخل وحدات جيش الاحتلال المقاتلة، كما أنها تتولى الإشراف على عمليات التجسس الإلكتروني ولديها أذرع تركز على الوطن العربي وتدير أيضًا "ذبابًا أو لجانا إلكترونية" لغرض الدعاية المضللة.
وليست هذه أول استقالة تتم في إطار منظومة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، فسبق أن استقال أهارون هاليفا، رئيس مديرية/ شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، في أبريل الماضي، مقرًا بفشل الاستخبارات الإسرائيلية الذريع في توقع ومنع هجوم الـ7 من أكتوبر، الذي سمته فصائل المقاومة الفلسطينية بـ"طوفان الأقصى"
وتوحي الاستقالات المتكررة من أجهزة الأمن الإسرائيلية بأن هناك أزمة عميقة داخل دولة الاحتلال، وهذه الأزمة مرتبطة برغبة القيادة السياسية وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال، في المضي قدما في التصعيد العسكري ومواصلة العمليات الحربية في قطاع غزة وعلى الجبهة الشمالية دون وجود خطة واضحة لما يُعرف باليوم التالي للحرب.
ويريد نتنياهو إطالة أمد المعركة لأغراض سياسية تتعلق ببقاءه في السلطة وخشيته من أن يتم محاكمته بتهمة التقصير أو الفشل الذي أدى لعملية الـ7 من أكتوبر 2023.
خبراء: الاستقالات جزء من تداعيات الفشل الإسرائيلي في 7 أكتوبربدوره، قال محمد الليثي، الباحث في الشأن الإسرائيلي، إن الاستقالات التي تتم في داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تأتي كجزء من تداعيات عملية طوفان الأقصى، التي انطلقت في الـ7 من أكتوبر الماضي، مضيفًا أن الاستقالات جزء من حالة الغضب الموجودة في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على مستوى قادة الأفرع والوحدات خصوصًا أولئك الذين كانوا مسؤولين عن حماية وتأمين المنطقة الجنوبية التي اخترقت شهدت هجوم فصائل المقاومة الفلسطينية في ذلك اليوم.
وأشار الليثي في تصريحات خاصة لـ"بلدنا اليوم" أن هناك غضب شديد على مستوى هؤلاء القادة وأيضًا داخل وحدات الكوماندوز الذين يشعرون أن القيادة السياسية تحملهم مسؤولية الفشل الذريع في 7 أكتوبر، وذلك رغبة في الحفاظ على مسيرة القادة السياسيين، موضحًا أن الصحف الإسرائيلية تحدثت عن الغضب لدى الجنود والضباط الذين يشعرون أنه يتم التضحية بهم لمصالح نتنياهو الخاصة.
وذكر الباحث في الشأن الإسرائيلي أن ضباط وقادة الوحدات الإسرائيلية المكلفة بتأمين الجبهة الجنوبية يشعرون أنهم أدووا واجبهم في 7 أكتوبر، ومنهم من قتل ومنهم من أصيب أو أسر في المعارك لكن القيادة السياسية تصر على تحميلهم المسؤولية، وهو ما يظهر في التحقيقات التي تجري حاليا، متوقعًا أن تزيد الاستقالات في المؤسسة الأمنية خلال الفترة المقبلة سواء بسبب الخوف من تحميلهم نتائج الفشل الذريع للجيش والاستخبارات في طوفان الأقصى أو بسبب غضبهم من القيادة السياسية وعدم رؤيتهم أفق حقيقي للحل في الوقت الراهن.
من جانبها قالت آلاء عوض، الباحثة المتخصصة في الشؤون الإسرائيلية، إن الفشل الاستخباري الذي عانت منه إسرائيل بمثابة زلزال حقيقي هز أركان المؤسسة الأمنية بالكامل بما في ذلك الجيش والاستخبارات، مضيفةً أن الجزء الأكبر من هذا الفشل يُلقى عن عمد على عاتق الوحدة 8200 التي تعتبر من أكفأ الوحدات الاستخباراتية في إطار منظومة الأمن الصهيونية لكنها فشلت فشلا ذريعا أدى في نهاية المطاف لنجاح هجوم الـ7 من أكتوبر وكان سببًا مباشرًا في الاستقالات التي تتم في الوقت الحالي.
ولفتت "عوض" في تصريحات خاصة لـ"بلدنا اليوم" إلى أن هناك أزمة سياسية حقيقية في قلب دولة الاحتلال، في الوقت الراهن، غير أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يسعى لتجاوزها متبعًا تكتيك القفز للأمام حتى يطيل أمد الأزمة الحالية لأطول فترة ممكنة، مردفةً أنه يتمنى أن يكون الزمن في صالحه لا سيما مع اقتراب الانتخابات الأمريكية التي قد تمنحه فرصا جديدة للمراوغة.
واعتبرت الباحثة المتخصصة في الشؤون الإسرائيلية أن الانقسام في داخل المؤسسة الأمنية هو جزء من الأزمة الحالية وجزء من الاستقطاب السياسي الحاصل في دولة الاحتلال بفعل طوفان الأقصى الذي قلب الموازين وكتب نهاية المسيرة السياسية لبنيامين نتنياهو الذي يحاول أن يحافظ على ما تبقى منها في الوقت الحالي عن طريق تحميل المؤسسة الأمنية مسؤولية الفشل الحاصل.