ذكرى الهجرة النبوية.. بداية التقويم الهجري وميلاد الدولة الإسلامية

الخميس 12 سبتمبر 2024 | 06:19 مساءً
أرشيفية
أرشيفية
كتب : عامر عبدالرحمن

في مثل هذا اليوم من العام 622م، وقعت واحدة من أهم الأحداث في التاريخ الإسلامي والعالمي، وهي هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة (يثرب آنذاك). 

الهجرة النبوية تمثل حدثًا محوريًا في التاريخ الإسلامي، جاءت الهجرة نتيجة للاضطهاد المتزايد الذي واجهه المسلمون من قِبَل زعماء قريش بعد وفاة أبي طالب، عم النبي، الذي كان يوفر له الحماية، وكان هذا الحدث هو البداية الرسمية للتقويم الهجري الذي أقره الخليفة عمر بن الخطاب لاحقًا بعد مشاورة الصحابة، واستمرت الهجرة للمسلمين حتى فتح مكة في العام 8 هـ.

ـ الظروف التي دفعت إلى الهجرة

تعرض المسلمون في مكة لمضايقات شديدة من قِبَل قريش، خاصة بعد وفاة أبي طالب في عام 619م، ما أدى إلى تصاعد الاضطهاد، حاول النبي محمد صلى الله عليه وسلم  إيجاد ملاذ آمن لدعوته خارج مكة، فكانت أولى محاولاته بالخروج إلى الطائف، حيث سعى لطلب النصرة من قبيلة ثقيف، لكنه لم يلق هناك القبول، بل تعرض للإهانة والاعتداء من سكان الطائف، حيث رمته سفهاؤهم بالحجارة، وأُجبر على العودة إلى مكة، ولم تحقق هذه الرحلة أهدافها.

ـ محاولات البحث عن حلفاء

بعد عودته من الطائف، قرر النبي محمد استغلال مواسم الحج وأسواق العرب الكبرى (مثل عكاظ ومجنة وذو المجاز) لعرض دعوته على القبائل العربية التي تتوافد إلى مكة.

 وقد سعى النبي إلى إيجاد من يناصره، وعرض نفسه على العديد من القبائل، ولكن معظمها رفض الاستجابة لدعوته، بل وتعرض له بردود قاسية، ومع ذلك، في موسم الحج من العام الحادي عشر للبعثة، التقى النبي بستة رجال من الخزرج من يثرب، فدعوه للإسلام، وأخبرهم بأن هذا هو النبي الذي كانت اليهود تتوعدهم به، أسلم هؤلاء الرجال، وعادوا إلى المدينة، ناشرين دعوة الإسلام بين قومهم.

بيعة العقبة الأولى

في العام التالي، وفي موسم الحج من العام 12 للبعثة، عاد هؤلاء الرجال من يثرب ومعهم عدد أكبر من المؤمنين، وصل عددهم إلى 12 رجلًا، التقوا النبي عند العقبة في منى وبايعوه، فيما عُرف ببيعة العقبة الأولى.

 بايعوا النبي على الإسلام والطاعة، وأن يكونوا له ولأصحابه مأوى ودعمًا، وكانت هذه البيعة أولى الخطوات نحو بناء مجتمع إسلامي في المدينة.

بيعة العقبة الثانية والهجرة

بعد عام من بيعة العقبة الأولى، وفي موسم الحج التالي، حضر 75 رجلًا وامرأتان من الأوس والخزرج، والتقوا بالنبي في بيعة العقبة الثانية. 

هذه البيعة شهدت موافقة الأنصار على حماية النبي والدفاع عنه كما يحمون أنفسهم وأهلهم، وبعد هذه البيعة، أمر النبي أصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، حيث كان الأنصار ينتظرونهم ليكونوا جزءًا من المجتمع الجديد.

مع تزايد الاضطهاد في مكة، بدأ المسلمون في الهجرة سرًا إلى المدينة، وكانوا يخرجون على مراحل، استمرت الهجرة إلى أن أذن الله للنبي محمد نفسه بالهجرة، فخرج من مكة برفقة أبي بكر الصديق، بعدما خطط للأمر بعناية فائقة حتى لا يتعقبه كفار قريش.

ـ اعتماد الهجرة بداية للتقويم الإسلامي

بعد استقرار النبي في المدينة، وتأسيسه للدولة الإسلامية، بقيت الهجرة علامة فارقة في تاريخ الإسلام، قرر الخليفة عمر بن الخطاب، بعد استشارة الصحابة، اعتماد الهجرة بداية للتقويم الإسلامي في العام 17 هـ. 

جاء هذا القرار بعدما كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر يُشير إلى حاجته لتحديد تواريخ في الرسائل الرسمية، وبعد نقاشات عديدة، اقترح البعض التأريخ بمولد النبي أو بعثته، إلا أن علي بن أبي طالب رأى أن الهجرة هي الأنسب لأنها تمثل نقطة تحول تاريخية مهمة، فوافق عمر والصحابة على هذا الرأي، وقرروا أن يكون شهر محرم هو بداية السنة الهجرية.

تفاصيل رحلة الهجرة

بدأت رحلة الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة في اليوم الأول من شهر ربيع الأول من العام الأول للهجرة، واستغرقت الرحلة 8 أيام حتى وصل النبي وأبو بكر إلى قباء، في أطراف المدينة المنورة، سلك النبي وصاحبه طريقًا بعيدًا عن مسار القوافل المعتاد لتجنب ملاحقة قريش، ومروا خلال هذه الرحلة بـ29 معلمًا جغرافيًا مختلفًا.

الدروس والعبر من الهجرة

الهجرة النبوية لم تكن مجرد انتقال من مكة إلى المدينة، بل كانت رمزًا للتضحية والصبر والإصرار على نشر الدعوة رغم كل التحديات.

 من خلال هذا الحدث، ظهرت أول دولة إسلامية قائمة على العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، حيث جمع النبي بين المهاجرين والأنصار في إطار واحد قائم على الأخوة والتعاون.

وفي النهاية، أصبحت الهجرة نقطة انطلاق نحو انتشار الإسلام خارج حدود الجزيرة العربية، وترسخت مبادئ الدولة الإسلامية التي أسسها النبي، وأصبحت المدينة المنورة قاعدة أساسية لانطلاق الدعوة الإسلامية إلى العالم.

اقرأ أيضا