يُعتبر الموسيقار العظيم سيد درويش واحدًا من أبرز الشخصيات التي أثرت في عالم الموسيقى العربية، حيث لم تقتصر مساهماته على الأشكال التقليدية مثل الموشح والدور والطقطوقة والمونولوج الشعبي، بل تعددت إبداعاته لتشمل الأناشيد الوطنية وألوانًا متعددة من الغناء العربي. من بين أبرز إسهاماته إضافة بعد جديد في تلحين الأوبريتات، حيث قدم ألحانًا خلابة للأعمال المسرحية.
وقدّم سيد درويش ما يقرب من عشرين أوبريت، من بينها أعمال لفرقة نجيب الريحاني، مثل جزء من "أوبريت الانتخابات"، وأعمال أخرى لفرقة منيرة المهدية.
ومع الأخذ في الاعتبار أن كل أوبريت يحتوي على نحو عشرة ألحان، يمكن القول إن مجموع ألحانه للأوبريتات يقترب من مائتي لحن. هذا إلى جانب الموشحات والأدوار والمونولوجات التي أغنت التراث الموسيقي العربي.
أوبريتات لا تُنسى:
وظهر أوبريت "شهرزاد" لأول مرة في أواخر عام 1920، مشكلاً بداية جديدة في عالم الموسيقى المسرحية. ومن بين الأوبريتات الأخرى المهمة في مسيرة سيد درويش "العشرة الطيبة"، التي ألفها محمد تيمور وكتب كلماتها بديع خيري.
وكانت فرقة نجيب الريحاني برئاسة عزيز عيد قد تكفلت بإخراجها، وسيد درويش تولى تلحين الأغاني والمشاهد المسرحية.
ما قبل سيد درويش:
قبل ظهور سيد درويش، كانت الموسيقى المصرية تهدف بشكل رئيسي إلى إمتاع المستمعين عبر الطرب، لكن درويش وسّع من آفاق هذا الفن ليجعله وسيلة للجهاد الوطني والإصلاح الاجتماعي، مع الحفاظ على الجانب الطربي.
وكانت طريقة سيد درويش في تلحين الأوبريتات منهجية فنية دقيقة.
وفقد كان يتلو النص الشعري أولاً ليتفهم معانيه بعمق، ثم يعايش شخصياته ويستوعب بيئتهم، قبل أن يقدم النص بصوت تمثيلي يتماشى مع معانيه وكأنه ممثل على خشبة المسرح.
وبعد ذلك، يبدأ في تلحين النص موسيقيًا بما يتناسب مع روحه.
وكان يؤمن بأن الموسيقى لغة عالمية لا يجب أن تُحصر في حدود محلية، وكان يقول: "يجب أن يستمع الرجل اليوناني، الفرنسي، وحتى من يعيش في غابات أواسط أفريقيا إلى الموسيقى العالمية ويفهم معانيها."
إرث سيد درويش:
وجدد سيد درويش الروح في الطابع الأصيل للموسيقى المصرية، ولا يزال النشيد الوطني المصري "بلادي بلادي"، الذي لحنه في مطلع القرن العشرين، يعكس هذه الروح الخالدة.
وهو جزء من الإرث الذي يفتخر به المصريون حتى اليوم.