تمثال نفرتيتي.. رمز الجمال الأثري ومعركة الاسترداد بين مصر وألمانيا

الاثنين 09 سبتمبر 2024 | 10:13 صباحاً
تمثال رأس نفرتيتي
تمثال رأس نفرتيتي
كتب : عامر عبدالرحمن

 يعتبر تمثال رأس نفرتيتي أحد أبرز وأهم القطع الأثرية المصرية القديمة، ويمثل رمزاً ثقافياً لا يقدر بثمن، يجمع بين التاريخ والجمال والفن، التمثال النصفي للملكة نفرتيتي، المصنوع من الحجر الجيري والمطلي بدقة فائقة، يعود تاريخه إلى أكثر من 3300 عام، وقد أبدع نحته الفنان المصري تحتمس في عام 1345 ق.م تقريباً، يُعد التمثال مثالاً حياً للجمال الأنثوي في العصور القديمة، مما جعل الملكة نفرتيتي واحدة من أشهر نساء العالم القديم.

- الاكتشاف.. نفرتيتي تظهر من جديد

في 6 ديسمبر 1912، اكتشف فريق تنقيب ألماني بقيادة عالم الآثار لودفيج بورشاردت تمثال نفرتيتي في ورشة النحات تحتمس بمنطقة تل العمارنة في محافظة المنيا، مصر.

 الاكتشاف أثار إعجاب بورشاردت بشدة، حيث وصفه بأنه "أفضل الأعمال الفنية المصرية التي لا يمكن التعبير عنها بالكلمات"، بعد اكتشافه، نُقل التمثال إلى ألمانيا حيث أُخفيت حقيقته في بادئ الأمر تحت وصف بأنه تمثال جبسي بسيط، وهو ما ساعد في نقله خارج مصر دون إثارة انتباه السلطات المصرية.

- رحلة تمثال نفرتيتي في ألمانيا

منذ نقله إلى ألمانيا، تم عرض تمثال نفرتيتي في عدة مواقع، بما في ذلك متحف داهليم في برلين الغربية والمتحف المصري في شارلوتنبورغ، وفي عام 2009، استقر التمثال في متحف برلين الجديد، حيث يُعرض حتى الآن، وعلى مدار هذه الرحلة، أصبح تمثال نفرتيتي رمزاً ثقافياً لمدينة برلين وعلامة من علامات الفن المصري القديم.

- الخلاف بين مصر وألمانيا حول استرداد التمثال

لا يزال تمثال نفرتيتي محوراً لخلاف مستمر بين مصر وألمانيا، فبالرغم من المطالبات المصرية المتكررة بإعادته إلى موطنه الأصلي، ترفض السلطات الألمانية ذلك، مستندة إلى حجج قانونية وأخرى تتعلق بالحفاظ على سلامة التمثال.

 هذا الجدل تصاعد في السنوات الأخيرة، خصوصاً مع مطالبات عالم الآثار المصري د. زاهي حواس، الذي دعا إلى حملة عالمية لإعادة التمثال، مُشيراً إلى أنه خرج من مصر بطرق غير قانونية.

- أهمية نفرتيتي في تاريخ مصر القديمة

عاشت نفرتيتي في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وكانت زوجة للفرعون إخناتون، الذي حاول تغيير الديانة المصرية التقليدية لتصبح عبادة الشمس الإله آتون هي الديانة الرسمية، ورغم أن تفاصيل حياة نفرتيتي لا تزال غامضة، يُعتقد أنها كانت قوة محورية في حكم إخناتون، حيث شاركته في كثير من مسؤوليات الحكم، أنجبت ست بنات، من بينهن عنخ إسن آتون، التي أصبحت لاحقاً زوجة توت عنخ آمون، اختفت نفرتيتي من السجل التاريخي بعد السنة الثانية عشرة من حكم إخناتون، ولاتزال أسباب اختفائها غير معروفة حتى اليوم.

- نفرتيتي رمز الجمال والفن المصري

إلى جانب أهميتها التاريخية، يُعد تمثال نفرتيتي رمزاً للجمال الفني المصري القديم،حيث يظهر التمثال الملكة بتاجها الأزرق المميز وقلادة مزخرفة، فيما تتمتع ملامح وجهها بتماثل دقيق ونقاء فني يُعبر عن ذروة الفن المصري الكلاسيكي. 

كما كشفت تقنيات التصوير بالأشعة المقطعية أن النحات تحتمس أضاف تجاعيد بسيطة على التمثال، في إشارة إلى محاولة تمثيل ملامح الملكة الحقيقية بواقعية.

- أصداء التمثال في الثقافة العالمية

لم يكن تمثال نفرتيتي مجرد قطعة أثرية، بل أصبح رمزاً سياسياً وثقافياً، حيث استخدم في ألمانيا لأغراض دعائية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ووُصف بأنه "ملكة ألمانيا الجديدة".

 كما ظهر في العديد من الحملات الثقافية والسياسية في البلاد. وفي مصر، يمثل التمثال حلقة من حلقات الصراع الثقافي والهوية، حيث يُطالب الكثيرون بعودته باعتباره إرثاً مصرياً يجب أن يستقر في وطنه.

- الحملة المستمرة لاسترداد نفرتيتي

الجدل حول التمثال لم يتوقف عند هذا الحد, فقد أطلق د. زاهي حواس مؤخراً حملة موسعة على موقعه الإلكتروني، يدعو فيها الجميع إلى توقيع عريضة تطالب بعودة التمثال إلى مصر.

 وأوضح حواس أن تمثال نفرتيتي يُعد جزءاً من الهوية المصرية ولا يجب أن يظل خارج مصر، خاصة وأنه خرج بطرق غير قانونية.

في الوقت نفسه، تستمر السلطات الألمانية في رفض إعارته لمصر، متعللة بأنه هش للغاية وقد يتعرض للتلف أثناء نقله، فيما تبقى المسألة عالقة وسط مطالبات متزايدة بإعادة هذا الرمز الفني الكبير إلى موطنه الأصلي.

وفي النهاية، تمثال نفرتيتي ليس مجرد قطعة أثرية قديمة، بل هو شاهد على عظمة الحضارة المصرية القديمة وإبداع فنانيها، ومع ذلك، يبقى هذا التمثال، الذي يعتبر من أجمل الأعمال الفنية في التاريخ، محور جدل وصراع بين مصر وألمانيا، في معركة مستمرة بين الحفاظ على الإرث الثقافي واسترداده.

اقرأ أيضا