يعيش الشعب السوداني الآن المعاصر للحروب العسكرية بين مليشيا الدعم السريع والجيش السوداني كارثة جديدة خلفتها السيول والأمطار المصحوبة بالدماء وانهيار السدود التي منعت صيانتها خلال السنوات الماضية الضربات العسكرية بين طرفي الصراع وأدت إلى وفاة 150 شخصًا وتضرر 50 مليون آخرين.
وقال السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية، ومساعد وزير الخارجية الأسبق، إن عدد الوفيات تجاوز 150 حالة في 10 ولايات بالسودان نتيجة انهيار سد أربعات والسيول والأمطار التي أعقبته.
وأضاف حليمة خلال تصريحات خاصة لجريدة «بلدنا اليوم» أن الوضع العسكري والتوترات التي تمر بها السودان منعت أعمال الصيانة للسدود خلال السنوات الماضية وأدى إلى تدمير سد أربعات الذي يخزن سنويًا 25 مليون متر مكعب.
وأشار السفير صلاح حليمة إلى أن المنطقة التي شهدت انهيار السد تعتمد عليها السودان بشكل أساسي في الخضراوت والفاكهة، لافتًا إلى أنها تسببت في تدمير 20 قرية وتضرر 50 ألف شخص.
أن عدد الأسر التي تضررت جراء السيول يقدر نحو 192 ألف، مشيرًا إلى أن السودان شهدت سقوط أكثر من 80% من معدل الأمطار السنوية خلال يومين فقط.
وأشار نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية، إلى أن أزمة السدود خلفت أكثر 16 ألف منزل بشكل جزئي و14 ألف بشكل كلي، مضيفًا أن هذا الموسم بالسودان يعتبر أساسيًا للنشاط الزراعي.
وأوضح مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن السودان شهدت خلال الفترة الماضية ارتفاع عدد حالات الوفاة نتيجة الوباء إلى 128 حالة، وإصابة 1223 حالة بمرض الكوليرا في جميع ولايات السودان منهم 48 حالة وفاة حتى الآن.
وحول تطورات الأوضاع على الصعيد العسكري ما منع أعمال الصيانة وتسبب في الأزمة، قالت السفيرة منى عمر مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الأفريقية، ومقررة لجنة العلاقاتت الخارجية بمجلس النواب، إن تنامي وتجدد النزاعات المسلحة في دول القارة الإفريقية يعد ظاهرة شديدة التعقيد من حيث تداخل عوامل نشوبها وتجددها للصراع على السلطة أو الموارد، خاصة إذا ارتبط بالتدخلات الأجنبية ما يكسب النزاع بعدًا إقليميًا.
وأضافت عمر في تصريحات خاصة لجريدة «بلدنا اليوم» أن الأزمة السودانية انتقلت إلى مرحلة وضع الجريح والحرج بسبب اتساع الفجوة بين طرفي النزاع من جهة وبين الشعب السوداني من جهة ثانية وبروز جماعات مسلحة أخرى في ساحة الحرب، وإطالة فترة النزاع وهو ما صعّب من إيجاد مقاربة لتسوية النزاع الذي تمتد تداعياته الاقتصادية والأمنية إقليميا وبالأخص على الدول المجاورة.
وتابعت:" أن الأضرار بالبنية التحتية للبلاد فاقت نحو 60 مليار جنيه وتعطل نحو 400 منشأة عن العمل في مجال الصناعات الغذائية والدوائية، وتعرض نحو 100 مصرفًا ماليًا عامل في البلاد للنهب والحرق والتدمير الكامل، وارتفع عدد القتلى إلى نحو 10 آلاف والمشردين إلى ما يقارب 6 ملايين، بحسب تقرير المبعوث الأممي للسودان.
وأوضحت أنه على الرغم من جهود ومبادرات تسوية النّزاعات الأممية والإقليمية بمختلف مستوياتها لبناء السّلم في المنطقة خاصّة منها التي تبنتها مؤسسة الاتحاد الإفريقي وبعض المجموعات الاقتصادية الإفريقية الفاعلة التي تدعم حفظ الأمن والسّلم في القارّة الإفريقية من خلال الوساطة والتفاوض بين الأطراف المتحاربة إلا أن تعنت الطرفين أفشل كل المحاولات نظرًا للتأثرات الخارجية المفروضة على كل طرف من الدول العربية والدول الغربية الحاضرة دائما في النزاعات المسلحة.
وذكر أن تأثير الأزمة السودانية على مصر غير قاصر فقط على الجانب التجاري بل يمتد إلى الطابع الأمني والسياسي واقتصادي وإنساني الذي يتم معالجة من خلال استقبال مصر للاجئين السودانيين، مؤكدًا استقبال لمصر لأكثر من 180 ألف مواطن سوداني منذ بدء الحرب.
ومن جانبه، يرى أحمد جاد، مدير المركز الإفريقي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، أن الرؤية أو المقاربة المناسبة لإنهاء النّزاع السوداني هى المبادرات الإفريقية لأنها أكثر حرصًا على أمنها واستقرارها من خلال دور المؤسسات السياسية والأمنية التي تنتمي للاتحاد الإفريقي.
وأضاف جاد في تصريحات خاصة لجريدة «بلدنا اليوم»، أن عودة دور المؤسسات الأمنية التابعة للاتحاد الإفريقي تتطلب تعزيز القدرات العسكرية لمجلس السلم والأمن الإفريقي الكافية لتغطية حجم التحديات الأمنية في القارّة الإفريقية بالسرعة المطلوبة وبالكيفية الملاءمة.
وشدد مدير المركز الإفريقي للبحوث والدراسات الاستراتيجية على ضرورة إطلاق مبادرة دول الجوار مضيفًا أنه ليس في صالحها استمرار النزاع المسلح في السودان، لأنّ تكلفته كبيرة من حيث مشكلة اللاجئين وانتشار العديد من التهديدات، الجريمة المنظمة، الاتجار بالأسلحة والمخدرات، والجماعات المسلحة، مؤكدًا أن كل هذه العوامل تدفع بجدية مبادرة دول الجوار إلى تبني سياسة أمنية مشتركة كفيلة بضمان استقرار المنطقة.
وأشار إلى أن توصيات مبادرة دول الجوار التي عقدت في القاهرة بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحضرها رؤساء دول وحكومات جمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد، وإريتريا، وإثيوبيا، وليبيا، وجنوب السودان، في قمة يوم ۱۳ يوليو ،۲۰۲۳، بحضور رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وأمين عام جامعة الدول العربية، لبحث كيفية إيجاد مقاربة سلمية لإنهاء الحرب في السودان كانت تمثل تسوية جادة للصراع وتضمن الخروج الأمن لجميع أطراف النزاع.
وأكد أن مصداقية هذه القمة وأهميتها بدأت من خلال نص كلمة الرئيس السيسي التي أوضحت عمق الأزمة والتدهور الحاد للوضع الإنساني وإيضاح مدى تداعياتها على دول جوار السودان بشكل خاص كما لم تخرج رؤية الرئيس السيسي عن ضرورة اتخاذ قرارات بالتنسيق والتشاور مع أطروحات الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ما يسهم في تعزيز المبادرة وتكريس الحل السلمي.
وأشار إلى أن الرئيس اقترح تشكيل آلية اتصال منبثقة عن هذا المؤتمر، لوضع خطة عمل تنفيذية للتوصل إلى حل شامل للأزمة على أن تضطلع الآلية بالتواصل المباشر مع أطراف الأزمة والتنسيق مع الآليات والأطر القائمة، ما يبرهن على تمسك مصر بالحل السلمي في إطار إقليمي إفريقي بعيدًا عن كل التدخلات والضغوطات.
وتابع:" أنه بالرغم من أن القمة تضمنت بندًا يؤكد على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شئونه الداخلية، والتعامل مع النزاع القائم باعتباره شأناً داخلياً، والتشديد على أهمية عدم تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة بما يعيق جهود احتوائها ويطيل من أمدها إلا أن الصراع أخذ منحنا آخر.