في مثل هذا اليوم، 26 أغسطس 1936، وُقّعت معاهدة بين المملكة المتحدة ومصر، وهي معاهدة كانت مفصلية في مسار العلاقات بين البلدين،حيث وافقت المملكة المتحدة بموجب هذه المعاهدة على منح مصر استقلالًا جزئيًا، مقابل استمرار سيطرتها على قناة السويس، ما جعلها تمثل مزيجًا من الاستقلال المحدود والسيادة البريطانية المستمرة.
- شروط المعاهدة
تضمنت المعاهدة العديد من الشروط التي حافظت على النفوذ البريطاني في مصر، حيث نصت على سحب جميع القوات البريطانية من مصر باستثناء تلك اللازمة لحماية قناة السويس ومحيطها. بلغ قوام هذه القوات نحو 10,000 جندي بالإضافة إلى عدد من الأفراد المساعدين.
كما شملت الشروط أن تقوم المملكة المتحدة بتزويد الجيش المصري بالأسلحة وتدريبه، فضلًا عن تقديم المساعدة في الدفاع عنه في حالة الحرب. وقد كانت مدة المعاهدة مقدرة بعشرين عامًا.
جرى التفاوض على هذه المعاهدة في قصر الزعفران بالقاهرة، ووقّعت في لندن في 26 أغسطس 1936، ثم صُدّق عليها في 22 ديسمبر من نفس العام، لتُسجّل لاحقًا في مجموعة معاهدات عصبة الأمم في 6 يناير 1937.
- خلفية الأحداث
تأتي هذه المعاهدة في سياق مرحلة من التوترات السياسية والاحتجاجات الشعبية في مصر، بعد وفاة الملك فؤاد واعتلاء ابنه الملك فاروق العرش، نظراً لصغر سن الملك فاروق، تم تعيين مجلس وصاية لإدارة شؤون الحكم.
مع انتصار حزب الوفد في الانتخابات البرلمانية، طالب الحزب بفتح مفاوضات مع بريطانيا بشأن التحفظات الأربعة المفروضة على مصر، لكن الحكومة البريطانية كانت تتجنب الدخول في هذه المفاوضات، مما أشعل موجة من الثورات الشعبية.
تشكّلت جبهة وطنية تطالب بإعادة دستور 1923 بدلاً من دستور 1930، وهو ما دفع بريطانيا للتراجع والدخول في مفاوضات بقيادة السير مايلز لامبسون، المندوب السامي البريطاني، ومعه هيئة المفاوضات المصرية.
ولضمان توافق كافة الأحزاب السياسية، اشترطت بريطانيا أن تشمل المفاوضات جميع الأحزاب، باستثناء الحزب الوطني الذي رفع شعار "لا مفاوضة إلا بعد الجلاء". بدأت المفاوضات في 2 مارس 1936 في قصر الزعفران بالقاهرة وانتهت بتوقيع معاهدة 26 أغسطس 1936 في لندن.
- أبرز بنود المعاهدة
1.انتقال القوات العسكرية من المدن المصرية إلى منطقة قناة السويس وبقاء الجنود البريطانيين في السودان بلا قيد أو شرط.
2.تحديد عدد القوات البريطانية في مصر بحيث لا يزيد عن 10 آلاف جندي و400 طيار مع الموظفين اللازمين لأعمالهم الإدارية والفنية وذلك وقت السلم فقط، أما حالة الحرب فلإنجلترا الحق في الزيادة وبهذا يصبح هذا التحديد غير معترف به.
3.لا تنتقل القوات البريطانية للمناطق الجديدة إلا بعد أن تقوم مصر ببناء الثكنات وفقا لأحدث النظم.
4.تبقى القوات البريطانية في الإسكندرية 8 سنوات من تاريخ بدء المعاهدة.
5.تظل القوات البريطانية الجوية في معسكرها في منطقة القنال ومن حقها التحليق في السماء المصرية ونفس الحق للطائرات المصرية.
6.في حالة الحرب تلتزم الحكومة المصرية بتقديم كل التسهيلات والمساعدات للقوات البريطانية وللبريطانيين حق استخدام مواني مصر ومطاراتها وطرق المواصلات بها.
7.بعد مرور 20 عام من التنفيذ للمعاهدة يبحث الطرفان فيما إذا كان وجود القوات البريطانية ضروريا لان الجيش المصري أصبح قادرا على حرية الملاحة في قناة السويس وسلامتها فإذا قام خلاف بينهما فيجوز عرضة على عصبة الأمم.
8.حق مصر في المطالبة بإلغاء الامتيازات الأجنبية.
9.إلغاء جميع الاتفاقيات والوثائق المنافية لأحكام هذه المعاهدة ومنها تصريح 28 فبراير بتحفظاته الأربعة
10.تحويل إرجاع الجيش المصري للسودان والاعتراف بالإدارة المشتركة مع بريطانيا.
11.حرية مصر في عقد المعاهدات السياسية مع الدول الأجنبية بشرط إلا تتعارض مع أحكام هذه المعاهدة.
12.تبادل السفراء مع بريطانيا العظمى
- انتقادات المعاهدة
رغم اعتراف المعاهدة باستقلال مصر جزئيًا، إلا أنها لم تحقق الاستقلال الكامل، حيث ظلت مصر ملزمة بتقديم المساعدات العسكرية في حالة الحرب، كما فرضت عليها أعباء مالية لبناء الثكنات العسكرية، وقد أصبحت السودان بموجب المعاهدة مستعمرة بريطانية بحراسة جنود مصريين.
في عام 1950، طالبت حكومة النحاس بمفاوضات جديدة مع بريطانيا، استمرت لتسعة أشهر دون أن تُفضي إلى نتائج ملموسة بسبب تشدد الموقف البريطاني، مما دفع النحاس لإعلان قطع المفاوضات وإلغاء معاهدة 1936 واتفاقيتي السودان، واعتبار القوات البريطانية في منطقة القناة قوات محتلة، وهو ما أدى إلى تصاعد النضال الوطني ضد الاحتلال، الذي تحول فيما بعد إلى نضال مسلح.