تعد سميرة موسى، المعروفة بلقب "مدام كوري الشرق"، أول عالمة ذرة مصرية وعربية، وأول امرأة تحصل على درجة الدكتوراه في الإشعاع الذري، لم تقتصر إنجازاتها على هذا الحد، فقد كانت أيضًا أول امرأة تشغل منصبًا تدريسيًا في جامعة مصرية، توفيت في حادث سيارة مشبوه في كاليفورنيا عام 1952.
كانت سميرة تؤمن بشعار "الذرة من أجل السلام"، وتسعى لجعل استخدام التكنولوجيا النووية في المجال الطبي متاحًا للجميع، وكانت تشدد دائمًا على أنها ستجعل العلاج النووي في متناول اليد وبأسعار معقولة مثل الأسبرين، في أبحاثها العلمية، نجحت في الوصول إلى معادلة تاريخية تمكن من كسر ذرات المعادن الرخيصة كالنحاس.
- النشأة والمولد
ولدت سميرة موسى في 3 مارس 1917 في قرية سنبو الكبرى، مركز زفتى بمحافظة الغربية في مصر، كانت الابنة بين شقيقين وأخت، وكان والدها شخصية بارزة في قريته حيث كان منزله مكانًا لاجتماع الأهالي لمناقشة الشؤون السياسية والاجتماعية.
في طفولتها، التحقت سميرة بمدرسة سنبو الأولى، وبدأت بحفظ أجزاء من القرآن الكريم، كانت مهتمة بقراءة الصحف وتمتلك ذاكرة فوتوغرافية قوية مكنتها من حفظ ما تقرأه بسهولة.
- الدراسة والتكوين العلمي
بعد وفاة والدتها بمرض السرطان، انتقلت سميرة مع والدها إلى القاهرة حيث اشترى والدها فندقًا في حي الحسين لاستثمار بعض أمواله، التحقت سميرة بمدرسة قصر الشوق الابتدائية، ثم أكملت تعليمها الثانوي في مدرسة بنات الأشراف الثانوية التي أسستها الناشطة نبوية موسى.
أظهرت تفوقًا دراسيًا كبيرًا، حيث أعادت صياغة كتاب الجبر في السنة الأولى الثانوية وطبعت منه 300 نسخة على نفقة والدها لتوزعها مجانًا على زميلاتها عام 1933.
حققت سميرة المركز الأول في جميع المراحل الدراسية،حيث تفوقت في شهادة التوجيهي عام 1935، وهو إنجاز نادر للفتاة في ذلك الوقت حيث كان يُسمح لهن بالمشاركة في امتحانات التوجيهي من المنزل فقط، حتى تم إنشاء أول مدرسة ثانوية للبنات في مصر عام 1925.
تفوق سميرة دفع مديرة مدرستها، نبوية موسى، إلى شراء معمل خاص بعد أن علمت برغبتها في الانتقال إلى مدرسة حكومية تتوفر بها معمل.
التحقت سميرة بكلية العلوم بجامعة الملك فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا)، رغم رغبة والدها في أن تلتحق بكلية الآداب كما كانت العادة للفتيات في ذلك الوقت، وقد أثارت انتباه عالم الفيزياء الشهير مصطفى مشرفة، الذي كان أول مصري يتولى عمادة كلية العلوم، وتتلمذت على يديه.
حصلت على بكالوريوس العلوم عام 1939 وكانت الأولى على دفعتها، مما أهلها لتعيينها معيدة في الكلية، ورغم اعتراض إدارة الجامعة على تعيين امرأة في هذا المنصب، إلا أن مصطفى مشرفة هدد بالاستقالة إذا لم يتم تعيينها، مما أدى إلى استجابة الجامعة.
حصلت على درجة الماجستير في بحث "التواصل الحراري بالغازات" من جامعة القاهرة بتقدير امتياز، ثم سافرت إلى بريطانيا في بعثة دراسية مدتها 3 سنوات، ودرست الإشعاع النووي ونالت درجة الدكتوراه حول "الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة" خلال 17 شهرًا فقط.
- التجربة العملية
استغلت سميرة الفترة المتبقية من بعثتها لإجراء المزيد من الأبحاث حول الذرة والفيزياء النووية، حيث توصلت إلى معادلة مهمة تمكن من تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس، مما يتيح إمكانية تصنيع القنبلة الذرية من مواد متاحة للجميع.
كانت مهتمة بالشؤون السياسية، وكانت تعتقد أن امتلاك مصر للسلاح النووي سيحقق السلام العالمي، ورأت أن الدولة التي تسعى للسلام يجب أن تتحدث من موقف قوة.
عاصرت سميرة آثار الحرب العالمية الثانية والتجارب النووية التي دمرت هيروشيما وناجازاكي في عام 1945, وأثار اهتمامها المبكر بمحاولات إسرائيل امتلاك أسلحة الدمار الشامل.
بسبب نبوغها، لقبت بـ "ماري كوري الشرق"، تيمنًا بالعالمة البولندية ماري كوري، حصلت على منحة من برنامج فولبرايت للتعرف على المرافق البحثية في جامعة كاليفورنيا، وكانت أول شخص أجنبي يزور المنشآت الذرية السرية الأميركية، مما أثار جدلاً واسعًا.
ورغم العروض المتكررة للبقاء في الولايات المتحدة والحصول على جنسيتها، أصرت سميرة على العودة إلى وطنها مصر.
- الإنجازات
عملت سميرة على أبحاث هامة في مجال الطاقة النووية، وحلمت بتوفير هذه الطاقة لأغراض سلمية لخدمة البشرية، أسست هيئة الطاقة الذرية في مصر عام 1948، نظمت مؤتمر الذرة من أجل السلام الذي شارك فيه علماء من جميع أنحاء العالم، وكانت عضوًا في العديد من اللجان العلمية المتخصصة. كما توصلت إلى معادلة لم تحظَ بقبول في العالم الغربي.
- مساهماتها الاجتماعية والخيرية
خلال دراستها في كلية العلوم، شاركت سميرة في العديد من الفعاليات الطلابية. كما كانت عضوًا في جمعية الطلبة للثقافة العامة، التي هدفت إلى القضاء على الأمية في الأرياف المصرية، وساهمت مع جماعة النهضة الاجتماعية في جمع التبرعات لدعم الأسر الفقيرة، وانضمت إلى مجموعة إنقاذ الطفولة المشردة.
- حادث أم اغتيال
توفيت سميرة موسى في 5 أغسطس 1952 عن عمر يناهز 35 عامًا، خلال رحلة من ميسوري إلى كاليفورنيا، كان من المقرر أن تزور جامعة سانت لويس لإجراء أبحاث في معاملها، إلا أن السيارة التي كانت تقلها تعرضت لحادث أسفر عن مقتلها، وهرب السائق ولم يُعثر عليه أبدًا.
تشير بعض الروايات إلى أن السائق كان يحمل اسمًا مستعارًا، وتتهم تقارير أخرى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) باغتيالها بسبب محاولتها نقل العلم النووي إلى مصر والوطن العربي.
- تكريمها
منحها الرئيس الراحل محمد أنور السادات وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى عام 1981، وأطلق اسمها على إحدى المدارس في قريتها، كما أطلق اسمها على أحد معامل كلية العلوم، وتم إنشاء قصر ثقافة يحمل اسمها في قريتها سنبو الكبرى عام 1998.
تم توثيق حياتها في كتاب بعنوان "اغتيال العقل العربي: سيرة ذاتية لأول شهداء العلم الدكتورة سميرة موسى".