أثارت التغيرات السياسية في الانتخابات الأوروبية الأخيرة النقاش حول كيفية ما ستكون عليه السياسات الأوروبية في المرحلة المقبلة، وأسباب هذه التغييرات المفاجئة.
ويرى المحلل السياسي، الدكتور عمرو الهلالي، أن الشعوب تميل في الدول المتقدمة ديمقراطيا إلى فلسفة التغيير كل فترة زمنية، وهو سلوك معتاد لديها يحكمه عدة عوامل أهمها قدرة تلك الشعوب على محاسبة التيارات السياسية المختلفة ووضعها في السلطة أو إخراجها منها عبر الانتخابات وبشكل لا يسمح بظهور الديكتاتورية فيها، عكس الظروف السياسية الموجودة في دول العالم الثالث او الدول الراديكالية.وأوضح الهلالي، في تصريح خاص لـ "بلدنا اليوم"، أن سنة التغيير في تلك الدول موجودة وبكثرة ولا تمثل أي تغيير حقيقي في سلوك أو توجهات تلك الشعوب، بل الأصل في هذا الأمر هو رغبة الشعوب في تجربة طريق مغاير حتى لو كان محسوبًا على اليسار أو اليمين أو الوسط، فكلها أيدلوجيات تحكمها في الحقيقة أسس سياسية حاكمة لا تؤدي في أغلبها إلى ظهور الديكتاتورية أو تسلط الرأي، وبعض تلك الشعوب والتي تعيش في أسلوب الحزبين الكبيرين المتنافسين مثل الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال تجرى العادة والمزاج الشعبي الانتخابي على إحداث التوازن بين مجالسها النيابية لمحاربة فرصة احتكار السلطة والرأي الواحد، فتجدها تعطي الأغلبية لحزب معين في مجلس وتعطي الأغلبية في نفس الدورة الانتخابية لحزب اخر في المجلس المقابل لإحداث حالة التوازن المطلوبة، وكل الاحزاب يسارية كانت أو يمنية تعمل في النهاية في تلك المجتمعات لخدمة مصالح مواطنيها وإن اختلفت في بعض أساليبها.
وقال الهلالي إن هناك دورة تاريخية لصعود الأيدلوجيات، ومن هنا ظهرت أحزاب الوسط والليبرالية الجديدة التي حاولت أن تجمع بين مميزات اليسار واليمين وتحصل على تأييد شعبي لفترات طويلة نسبيا، وعليه فإنه يجب ان ينظر للتغيرات الحادثة الآن في فرنسا بعودة اليمين للمنافسة على الحكم أو في بريطانيا بعودة بعد غيبة لحزب العمال على أنه يتبع تلك القاعدة الراسخة في عقيدة الناخب الاوروبي في التغيير المستمر وتجربة طرق مغايرة لأحزاب تلتزم في النهاية بالأسس الديمقراطية مع اختلاف في وسائل التنفيذ والبرامج.
واختمم الهلالي: "القضايا العامة والخارجية لتلك الحكومات لا تغير كثيرا في الواقع الجيوسياسي المضطرب بالحروب والصراعات مثل أوكرانيا وغزة وغيرها، نعم ممكن أن تغير بعض الأساليب ولكنها لن تغير من التوجهات بهذه الحدة التي يظنها البعض، فعلى سبيل المثال في الحالة الفرنسية الحالية، فالبعض كان يرى أن وصول اليمين المتطرف للحكومة الفرنسية كان سيضعف من يد الرئيس ماكرون في السياسة الخارجية، وأن هذا بدوره كان سيؤدي إلى إضعاف الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه فرنسا لكييف، بسبب العلاقة التاريخية لحزب مارين لوبان اليمنية مع روسيا وتعهدها بكبح جماح المساعدات الفرنسية لأوكرانيا، بينما يبدوا اليسار أكثر اتساقا مع أهداف الاتحاد الاوروبي ضد روسيا ومع الموقف الاوكراني، رغم أن حزب لوبان اليميني قد غيّر موقفه من الحرب الروسية الأوكرانية بشكل ملحوظ في الفترة التي سبقت الانتخابات الأوروبية في يونيو الماضي، وصرح بأنه سيواصل تقديم المساعدات الدفاعية ولكنه لن يرسل صواريخ بعيدة المدى أو أسلحة أخرى تسمح لأوكرانيا بضرب الأراضي الروسية، غير أن حتى الأحزاب اليسارية هي الأخرى لها مواقفها المؤيدة لروسيا، مثل زعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري المتطرف،وهو جزء من تحالف الجبهة الشعبية اليساري الجديد المنتصر - والذي اتُهم في الماضي بتبني موقف متعاطف مع روسيا".