عيد الأضحى وثيق الصلة باللحوم حية ومذبوحة، واعتدنا أن من لم يستطيع التضحية يكفيه الشراء، إلا أن الارتفاع الغير مسبوق في أسعار اللحوم جعل التفكير في الأحجام عن التضحية أو الشراء حلا حتميا للمواطن في ظل قدرة شرائية متراجعة داخل اقتصاد تعتمد أسواقه بشكل رئيسي على الاستيراد.
يواجه العاملين بقطاع اللحوم عدة تحديات تنعكس على أداء القطاع بما يعيقه من توفير الكميات المطلوبة بأسعار تناسب متوسط دخل المواطن في ظل ارتفاع سعر الدولار الأمريكي وانعكاسه على أسعار اللحوم المستوردة مع تأكد قدرة مصر على تحقيق الاكتفاء الذاتي، فبعد أن بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء عام 2014 نحو 70.9% تراجعت في 2021 إلى 56.6% وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
أسعار اللحوميتراوح سعر كيلو اللحم البلدي اليوم ما بين الـ 400 إلى 450 جنيها، واللحم الكولومبي أو الإسباني ولا تستطيع تمييزه عن البلدي إلا عند تناوله لأنه يذبح ويختم من الجهات التابعة للدولة وسعر الكيلو يبدأ من 300 إلى 400 جنيه، سعر الكيلو في العجول البلدية من 170 إلى 175 جنيها من أسواق المواشي في المحافظات، والماعز يباع بسعر 230 جنيه للكيلو.
ويوضح هيثم عبد الباسط رئيس شعبة القصابين بالغرفة التجارية بالقاهرة أن أرخص وآمن اللحوم ما تقدمه مجمعات النيل الاستهلاكية ولا يتجاوز سعر الكيلو منها 300 جنيه، ولا ينصح بالتعامل مع المنافذ الأخرى لأنها مؤجرة للغير ولا تخضع للجهات الرقابية بشكل كامل.
الختم الموحد جعل اللحوم المستوردة بلدي
سعر صرف الدولار محدد وحيد في أسعار اللحوم المجمدة والحية المستوردة، ونستورد 60% من اللحوم من عدة دول أبرزها البرازيل والهند والماشية الحية من جيبوتي وتشاد وإسبانيا وكولومبيا، والربح للمستورد أكبر في اللحوم الحية المستوردة بعد أن باتت تختم بنفس ختم اللحوم البلدي ما يسمح برفع أسعارها ولأن أوزانها تزداد بسرعة مع الأعلاف المستورد بحسب حديث رئيس شعبة القصابين بالغرفة التجارية بالقاهرة.
الماشية المستوردة تتعامل كالبلدي داخل المجازر بطريقة واحدة من حيث طريقة الذبح ولون الختم، على الرغم من اختلاف الأسعار بين النوعين فالبلدي أعلى تكلفة من المستورد، إلا أنهما بسبب توحيد الأختام تكاد تتساوى أسعارهما ما يصب في مصلحة المستورد على حساب المربي المحلي.
وتقدمت شعبة اللحوم بالغرفة التجارية بالقاهرة بطلب من أجل عودة الختم الأزرق للحوم المستوردة من أجل مزيد من الشفافية مع المشتري والجزار إلا أن الأختام لم تتغير واستمر توحيد الختم في المجازر إلى الآن.
وفي فبراير الماضي تقدم النائب خالد طنطاوى عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة عن اللحوم تضمن مطالبته بإنهاء توحيد أختام البلدي والمستورد معللا ذلك بأن أسعار البلدي يرتفع بسبب الختم الموحد، وموضحًا أن سعر اللحوم المستوردة في منافذ آمان ووزارة الزراعة تتراوح ما بين 350 إلى 370 جنيها، بينما تطرح مجمعات النيل الاستهلاكية ذات اللحم بسعر 250 جنيها فقط للكيلو.
الأعلاف المستوردة لا تصلح للماشية المصرية
بنسبة 70% تمثل الأعلاف مدخل الإنتاج الأهم في تربية اللحوم، ويوضح عبد الباسط أن مصر تنتج نحو 20% من العلف وتستورد 80%، مشيرًا إلى أن الماشية المصرية لم تتكيف مع العلف المستورد وإذا أكلت منه بـ300 جنيه فوزنها لا يزيد سوى نصف كيلو فقط على أقل تقدير بينما الماشية المستوردة بنفس الكمية من العلف المستورد ترتفع وزنها إلى اثنين وثلاثة كيلو.
يستطرد الباسط أن الماشية المحلية كي يزداد وزنها وتحقق الربح تحتاج لأعلاف محلية وأشهرها الفول والكُسب الذي كان يستخرج من مخلفات محصول القطن الذي تقلص إنتاجه بهدف الحفاظ على الماء، مع العلم أن مصر لديها مصادر مياه متعددة نستطيع الحصول عليها من المياه الجوفية ومحطات التحلية.
خروج صغار المربين
صغار المربين بمثابة رمانة الميزان في توفير اللحوم واليوم لا يوجد إلا عدد قليل للغاية منهم والأكثرية تحجم عن تربية الماشية لعدة أسباب في مقدمتها نقص الأعلاف المناسبة للماشية المحلية، وارتفاع أثمان العلف المستورد مع قلة مردوده على وزن البقرة أو الجاموسة، ولا بديل عن زراعة الأعلاف.
وأضاف عبد الباسط، أن الحصول على الخدمات البيطرية من لقاحات ومضادات حيوية وغيرها للمربين الصغار ليس متوافر لأن الهيئة العامة للخدمات البيطرية لا تضم العدد اللازم من الأطباء بعد أو توقفت تعيينات الأطباء البيطريين بالهيئة منذ منتصف التسعينيات، كذلك تبعية الهيئة لوزارة الزراعة لا تحقق لها الاستقلال الكامل في أداء عملها بدلا من تلقي التوجيهات والتعليمات من وزارة الزراعة.
في طلب إحاطة قدمه مطلع العام الحالي حذر النائب محمد عبد الله زين عضو مجلس النواب من استمرار تراجع أعداد الأطباء البيطريين فلا يوجد إلا 150 طبيبا بيطريا على مستوى الجمهورية، ثمانية منهم بمحافظة القاهرة و6 في الجيزة، ما يعيق الدور التوعوي والرقابي للهيئة.
قروض البنك الزراعي أيضا تشترط تقديم حيازة ملكية للأرض أو المزرعة وصغار المربين لا يمتلكونها لأنهم حصلوا على الأراضي ضمن قانون الإصلاح الزراعي الذي أصدره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبالتالي يستفيد كبار المربين من الدعم لامتلاكهم وثاق الحيازة.
المقاطعة سعرية ولا تؤثر إلا على الحلقة الأضعف
ويؤكد عبد الباسط أن دعوات المقاطعة التي انتشرت لم تؤثر إلا على صغار الجزارين والمربين لأنهم لا يستطيعون تحمل قطع أرزاقهم أسابيع قليلة، وللعلم كثيرا من الجزارين الصغار في المناطق الشعبية والمتوسطة تخارجوا من السوق وأجروا محلاتهم بعد أن أصبحت ميزانية الفرد هناك لا تتحمل الأسعار الحالية، بمعنى أن المقاطعة السعرية موجودة ومؤثرة قبل هذه الدعوات.
ويحذر من تخارج المزيد من صغار الجزارين أو المربين ما يقضي على هامش المنافسة الحالي، ويلقي بمقادير التسعير في أيدي محتكري الاستيراد في ظل قواعد وقرارات صبت في مصلحتهم.