في خضام تحديات عالمية وإقليمية تربك الخطط السياسية وتعصف بالطموحات الاقتصادية؛ فتح تقرير صندوق النقد الدولي الأخير حوارا تحتاجه الدولة المصرية بشدة للوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدائنين مع تخوف رجل الشارع من قدوم 2030 وانتهاء الفترات الرئاسية للرئيس السيسي في ظل وضع اقتصادي يبلغ الحلقوم.
تمثل الثقة بين الرئيس والمواطنين عمودا أساسيا شُيدت عليه قرارات الرئيس جميعها، إلا أن الرئيس المقبل يصعب عليه بناء مثلها مع المواطن في ظل تخوفات من رحيل الرئيس وبقاء القروض وأقساطها وربما توسعها.
مستشارة وزير المالية.. حالة عدم اليقين تسيطر على الاقتصاد العالمي والأسواق الناشئة
تقول الدكتورة ضحى عبد الحميد مستشار وزير المالية الأسبق أن الرئيس السيسي يعمل بكل جهد لنزع فتيل الأزمة الاقتصادية كي لا تمتد لما بعد 2030، إلا أن حالة عدم اليقين المسيطرة على الاقتصاد العالمي والأسواق الناشئة على وجه التحديد تثير التخوفات، ونبهت أن أخطر ما يمكن أن يواجه الاقتصاد المصري نشوب حرب إقليمية من شأنها تحميل الاقتصاد أعباء إضافية كما ذكر تقرير صندوق النقد في تقريره الأخير كأهم عائق لخطة الإنقاذ الاقتصادي الحالية.
وأشارت إلى أن الحلول المطروحة من قبل الصندوق لا تتخطى الحلول النظرية للاقتصاديات الكبيرة إنما استدامة الاستقرار والتخلص من الأعباء الثقيلة للديون يتطلب دفعة قوية للقطاع الخاص المنتج بما يسمح بمزيد من التدفقات الأجنبية التي تعوض المستنزف منها في تسديد الالتزامات المالية، ودون ذلك فلن يشعر المواطن بالتحسن المادي، وأنصح الحكومة بالتوجه الآن لنادي باريس وبدء مفاوضات على مد فترات سداد القروض وتخفيضها إن أمكن كي نعطي مساحة لضخ عوائد الموازنة في القطاعات الإنتاجية وليست الاستهلاكية، ولا ننسى أن التعثر في أي وقت يعني إفلاس الدولة وتفاقم المرض الاقتصادي، ويمكن بدء محادثات مع البنوك الاستثمارية في العالم لتمويل مشروعات إنتاجية بناء عن دراسات جدوى معتمدة تنعكس إيجابيا على الموازنة العامة للدولة.
وانتقدت في حديثها لـ«بلدنا اليوم»، أحمد سمير وزير التجارة والصناعة الحالي حيث لم نشعر بالوزارة منذ توليه ولم يتسطيع تلبية طموحات الرئيس في القطاع الصناعي وأعتقد أنه أول الراحلين عن الوزارة بعد أن فشل في إحداث التنمية المستهدفة للدولة في الصناعة، بتأخره عن تقديم الاستراتيجية الجديدة للصناعة باعتبارها أولوية ضمن برنامج الإصلاح الهيكيلي للاقتصاد، ولا أدري هل الوزير مكبل أم أنه متكاسل؟!
وأوضح أن برنامج الطروحات الحكومية من الممكن أن يتعرض لضغوط كبيرة في 2030، بسبب التوترات السياسية في المنطقة من جهة وضغط سداد أقساط القروض ما يؤدي لبيع الأصول بثمن بخس.
وحذر من تأثير التغير المناخي بحلول 2030 والتي تتوقع الأمم المتحدة أن يرفع من أسعار الغذاء والطاقة بنسب غير مسبوقة لأن الاحتباس الحراري سيهلك كثيرا من النبات والحيوان لذا فكل دقيقة بلا عمل سندفع ثمنها غاليا مستقبلا.
الدكتور حسن الصادي.. القروض سببها الاستسهال ووزير المالية السبب
يؤكد الدكتور حسن الصادي أستاذ اقتصاديات التمويل والاستثمار أن شكل الاقتصاد بعد 2030 لن يتضح إلا بتوجهات الحكومة الجديدة التي ستأتي وتقرر كيف تتعامل مع الالتزامات المالية للدولة، ويشير أن القروض الحالية سببها الاستسهال وأنها لن تتوقف إلا بتغيير وزير المالية الحالي الدكتور محمد معيط لأن فكره المالي قائم على الاستدانة المستدامة ولا يواكب طموحات الرئيس السيسي في التنمية المستدامة، فليس من المعقول أن يقول عقب الحصول على التمويلات الجديدة أنها تؤهله للاقتراض من المؤسسات العالمية الأخرى.
وطالب الصادي بفرض الضرائب الغير مباشرة بطريقة تصاعدية من الآن استعدادا لـ2030 فلا يعقل أن تتساوى ضرائب السلع الأساسية والدواء مع واردات الرفاهية من أكل للكلاب ومكسرات وغيرها في وقت تحاصرنا التحديات الاقتصادية، مشيرا أن الحلول الاقتصادية أوشكت على النفاذ بعد صفقة رأس الحكمة والمنافسة الحامية بين السعودية وقطر للحصول على مشروع رأس جميلة، أضف أن الصندوق السيادي وصندوق تحيا مصر لم يقدما جديدا للاقتصاد بسبب الفكر المسؤول عن إدارتهما ففكر المستثمر يختلف عن المضارب بالبورصة، فالأول يبحث عن مشروعات مستديمة المنفعة والثاني يشتري الأسهم ليبيعها بسعر أعلى دون جهد، مشيرا في الوقت نفسه أن فكرة الصندوق السيادي في ذاتها كانت تبشر بالخير في بدايتها.
وأوضح أن من الضروري فهم أن المؤسسات الدولية لا تخدم إلا الأطراف الدولية، واشتراط المانحين الغربيين دفع الحكومة لمتأخرات الشركات الأجنبية من القرض أولوية قصوى لديها لأن استمرار النزيف سينعكس على أعمالها وترفع البطالة في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية وأكيد لا تريد الدول المانحة تصدير الأزمة داخليا فتعطي القرض بفوائد وإلزام للدولة المستدينة كي تتحمل النتائج كاملة في حالة الخسارة.
الدكتورة عالية المهدي.. القروض تتوقف بقرار سياسي وخطة متدرجة
تقول الدكتورة عالية المهدي عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق إن القروض تنتهي بقرار سياسي من الرئيس وفق خطة متدرجة لتقليلها ووضع حد أقصى للقروض بهدف الحفاظ على التوازن الاقتصادي للدولة، باعتبار أن لها دور مؤثر في الموازنة العامة، ومع تقليل القروض ستقل الأقساط وتتنفس الموازنة العامة في الخدمات الأخرى والتي ستتأثر كلما توسعت سياسة الاقتراض ما يؤدي لتمدد وتوحش الديون بصورة أعمق بعد 2030.
وأوضح المهدي أن اللوم على الاعتبارات الخارجية له حدود قبل النظر للتحديات الأخرى، ويجب الاعتراف بأن المشكلة الاقتصادية هيكلية ويجب حلها قبل أو بعد 2030، وقولا واحدا يجب تقليل القروض والحد من الاعتماد على المؤسسات العامة في تنفيذ المشروعات لصالح تمدد دور القطاع الخاص، وأيضا زيادة مخصصات لتنمية البنية البشرية بالتعليم وتنفيذ مشروع التأمين الصحي الشامل كأولوية، بعد أن استحوذ قطاع النقل على أكبر قدر من مخصصات الاستثمار.
وتابعت إذا استمرت القروض في التوسع فإن عام 2030 سيشهد تناقص أكبر لخدمات الدعم التي توليها الحكومة أولوية حالية، ستلتزم الدولة بدفع أقساط ضخمة سدادا للديون ما تآكل مخصصات التعليم والصحة، وإذا لم نوجه القروض للصناعة والزراعة بهدف التصدير، فإن أزمة نقص العملة ستطل برأسها من جديد وتعود السوق السوداء وترتفع الأسعار مجددا.
وأشارت إلى أن القروض سبب رئيسي في توسع الحكومة في الضرائب الغير مباشرة أي المقررة على السلع وتقدر نسبتها في هيكل الضرائب 75% وللعلم هذه الضرائب لا تفرق بين الغني والفقير بل تكوي الجميع، بينما الضرائب المباشرة الممثلة في الضريبة على الدخل لا تمثل في الحصيلة الضريبية إلا 25% تقريبا.
الدكتور وائل النحاس.. الفجوة التمويلية قليلة ولدينا بدائل
يقلل الدكتور وائل النحاس الخبير الاقتصادي من الفجوة التمويلية المتوقعة خلال السنوات الأربع المقبلة بقيمة 28.5 مليار دولار، ويرى أنها مصر لديها بدائل كثيرة إذا انتظمت واحدة منهم فإن العجز يختفي تدريجيا، وأبرز البدائل عودة حركة السياحة لما كانت عليه قبل 7 أكتوبر أو ارتفاع عائدات المصريين بالخارج وزيادة الصادرات أو بيع الأصول الحكومية أيضا فلا داعي للتخوف من تقرير صندوق النقد، بل يجب الانتباه إلى ما بعد القرض الحالي الذي جاء ضمن خطة إنقاذ بعد فشل خطة الإصلاح التي انطلقت في 2016 وتبديد قرض الصندوق مع الاعتماد على سوق الدين الخارجي والذي انهار عام 2022 مع اندلاع حرب أوكرانيا لندخل في مرحلة حرجة، تكمن صعوبتها في فشلها لا قدر الله والبحث عن مقرضين جدد.
ووصف النحاس الوضع الاقتصادي المصري بالمقلق بحلول 2030 وانتهاء الفترات الرئاسية المقررة دستوريا للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي بذل جهدا كبيرا للخروج من الأزمات المتكررة، فأقساط الديون مستمرة وربما نجد تخارج للمستثمرين الأجانب من السوق بعد الحصول على متأخراتهم والتي خصص لها الصندوق أولوية، ونبه إلى أن مفهوم العائد الأولي للموازنة الذي أعلنه وزير المالية تحقق بسبب التمويلات الأخيرة، فلا فائض لدولة مستدينة وضروري أن نهبط لأرض الواقع فمصروفات الحكومة لاتزال أعلى من عائداتها.
أضف أن زيادة أقساط الدين تتناسب عكسيا مع تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، فعائد بيع الأصول الحكومية سيوجه للتسديد وليس للتنمية القادرة على سد الفجوات التمويلية وتحقيق استقرار اقتصادي يمتد بعد 2030، فالكهرباء إلى الآن لم تحل مشكلة نقص الغاز جذريا بسبب التخوف من صرف القروض وربما تتخلف الدولة في تقديم الخدمات بعد 2030 مع قدوم رئيس جديد، مضيفا أن الرئيس السيسي استطاع التواجد كحليف مهم للكيانات الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وما تقدمه من دعم للحصول على هذه التمويلات، واختتم حديثه أن وضع مصر الاقتصادي بعد 2030 سيكون أوضح بعد مرور السنوات الأربع المقبلة لتقييم برنامج الإنقاذ الحالي.