أفادت تقارير استخباراتية أمريكية، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي ضرب أهدافًا داخل إيران ردًا على هجوم جوي غير مسبوق شنته طهران نهاية الأسبوع الماضي على تل أبيب، ما زاد من مخاوف اندلاع تصعيد مفتوحة ينتهي بقيام حرب عالمية ثالثة حال الاستمرار في توجيه الضربات بين الطرفين بالتزامن مع الحرب الروسية الأوكرانية في ظل التماسك المتزايد في التحالف بين موسكو وطهران وبكين، فما مدى إمكانية التصعيد بين البلدين خلال الفترة المقبلة؟ وهل الهجمات الإيرانية أجلت أم عجلت من خطة نتنياهو لاجتياح رفح؟.
وذكر دبلوماسيون وعسكريون، أن الضربات الإيرانية على إسرائيل انعكست بالسلب على الأحداث الجارية في غزة، ومنحت نتنياهو ورقة للضغط على الدول الأوروبية لعودة الدعم لمواجهة طهران، وعملت على توقف حالة التفكك التي سيطرت على الداخل الإسرائيلي، ما يؤدي إلى إطالة فترة نتنياهو، وعدم إنهاء الحرب على غزة، فضلًا عن إبعاد الاهتمام الدولي عن الوضع المأساوي في القطاع.
مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة سابقا: نستبعد أن تؤدي الأحداث الجارية لحرب عالمية
وفي البداية استعبد السفير معتز أحمدين خليل، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة سابقًا، تحول الصراع بين إيران وتل أبيب إلى حرب عالمية ثالثة مرجعًا ذلك لعدم توجيه كل منهما ضربات مؤثرة إلى الآخر.
وأضاف أحمدين في تصريحات خاصة لجريدة «بلدنا اليوم» أن هناك حرصًا من الجانبين على عدم توسيع رقعة الصراع، منوهًا إلى أن طهران تهدف من خلال هجومها الصاروخي على إسرائيل إلى إرسال رسالة بأن محاولة تل أبيب لكسر المعادلة القائمة بينهما بضرب القنصلية الإيرانية في دمشق لن تمر دون رد وليس الهدف من هجومها إحداث خسائر.
وتابع مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة سابقًا، أن هناك إشارات بأن إسرائيل حاولت سحب أثر ضربتها للقنصلية حينما نشرت الصحف العبرية نقلًا عن القيادة الإسرائيلية بأنها وقعت في خطأ استخباراتي إذ ظنت أن إيران لن ترد على ضرب قنصليتها، مضيفًا أنها كانت محاولة من تل أبيب لسحب الضربة بعدما تم توجيهها للحصول على الدعم الأمريكي والغربي.
وأردف السفير معتز أحمدين، أن مصالح إيران في عدم التصعيد مع إسرائيل خاصة وهى قاربت العتبة النووية إن لم تكن قد وصلتها، ما يدفعها إلى إنهاء أي توتر يشكل خطرًا على برنامجها النووي.
وأشار إلى أن الضربة الإيرانية لإسرائيل أرسلت رسالة بأنها قادرة على الوصول للعمق الإسرائيلي، ولم تعد تخشى من القصف المباشر لتل أبيب رغم أنها لم تحدث ضررًا بالغًا.
وحول الهجوم عل مدينة أصفهان، قال إن تل أبيب أرادت إعادة تعزيز نظرية الردع الإسرائيلي، مضيفًا أنه في حال اقتصر ردها على هجوم أصفهان فقط الذي لم يحدث تأثيرًا على أرض الواقع، فعندها ستكون قد زعزعت برنامجها الردعي.
واستكمل حديثه قائلًا:" إنه في حال استمرار إسرائيل في التصعيد قد تخاطر برد إيراني أقوى لذلك أعتقد أن الطرفين حريصان على عدم توسيع الصراع ليكون حرب إقليمية أوسع مما هى عليه الآن ".
وأكد أن الأطراف الدولية على رأسها الولايات المتحدة يليها الاتحاد الأوروبي كانوا يحضون إيران على عدم الرد على إسرائيل، مضيفًا أنه من الأحيان النادرة التي لم يتبع فيها الغرب ازدواجية معايير وحث تل أبيب على عدم الرد على طهران وتجنب التصعيد لكنهم كانوا ينتظرون الفرصة لتوسيع العقوبات على إيران.
وأوضح أن العقوبات الغربية على إيران لم تؤثر على البرنامج النووي أو الصاروخي أو قدرات طهران في تصنيع الأسلحة التي ثبتت كفاءتها نوعًا ما، مدللًا على ذلك بتصدير طهران الكثير من المسيرات إلى روسيا التي تعتبر قوى عظمى اعتمدت منذ عقود قليلة على الذخائر والمسيرات الإيرانية.
لواء أركان: الصراع بين تل أبيب وطهران سلبي للغاية على الأوضاع في غزة
ومن جانبه، قال اللواء أركان حرب نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع المصري السابق، إن انعكاس الأحداث الجارية بين إسرائيل وتل أبيب سلبي للغاية على الأوضاع في قطاع غزة.
وأضاف سالم الذي يشغل أيضًا منصب مستشار أكاديمية ناصر العسكرية للدراسات الاستراتيجية في تصريحات خاصة لجريدة «بلدنا اليوم» أن طهران لم تحقق أي مكاسب من الضربات على إسرائيل لكنها أثبتت تخوفها من المواجهات المباشرة مع تل أبيب.
وأكد رئيس جهاز الاستطلاع السابق، أن الضربات الإيرانية على إسرائيل أعطت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ورقة لعودة لممارسة الضغط على الدول الأوروبية لعودة الدعم لمواجهة طهران، وساعدت على توقف حالة التفكك التي سادت في الداخل الإسرائيلي، ووقف المظاهرات ما يؤدي إلى إطالة فترة نتنياهو في الحكم وعدم إنهاء الحرب على غزة، وإبعاد الاهتمام الدولي عن الوضع المأساوي في القطاع.
وأشار مستشار أكاديمية ناصر العسكرية إلى أن الهجوم الإيراني منح نتنياهو ورقة للمساومة مع الولايات المتحدة الأمريكية بين اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي لمدينة رفح الفلسطينية أو تسديد ضربات للعمق الإيراني.
خبير في الشأن الإيراني: الصراع لم يخرج من القبضة الأمريكية حتى الآن
وفي السياق نفسه، قال الدكتور هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، والخبير بالشأن الإيراني، إن تصعيد الصراع بين إسرائيل وتل أبيب للوصول لإمكانية اندلاع حرب عالمية ثالثة مقاربة غير دقيقة للغاية باعتبار أن وصول الطرفين لحرب مفتوحة يستلزم وجود بعض المتغيرات الإقليمية والدولية بدرجة أكبر مما هى عليه الآن.
وأضاف سليمان في تصريحات خاصة لجريدة «بلدنا اليوم» أن الحرب العالمية الأولى والثانية كانت قائمة على صراعات إيدلوجية كالاشتراكية والشيوعية أو الرأسمالية وتحالفات دقيقة وواضحة المعالم وهذا الإطار غير موجود الآن فلا مكان خلال الوقت الحالي لتعاون صلب بين الدول قائم على مصالح مستقرة لسنوات.
وتابع:" أن اندلاع حرب عالمية ثالثة غير وارد في العصر الحديث بشكل التقليدي النمطي من المواجهات بين الجيوش الكلاسيكية فقد باتت النزاعات مختلفة وتبدلت فكرة الاستعمار التقليدي باقتصادي ومواجهات غير مباشرة، وأصبحت حروب الدول عبر المليشيات وخارج الحدود من خلال استخدام أدوات جديدة أقل تكلفة من العمليات العسكرية المباشرة لإدارة الصراع من خلال توظيف الجماعات الإرهابية وتصدير النزاعات".
وأشار مدير المركز العربي للبحوث والدراسات إلى، أن منظومة إيران الدفاعية تعاملت مع جسم غريب داخل مدينة أصفهان وأسقطت طائرة مسيرة تم إطلاقها من الداخل، وحتى هذه اللحظة لم تعلن إسرائيل عن استهداف داخل الأراضي الإيرانية، مضيفًا أنه غير واضح حتى الآن وجود عملية عسكرية إسرائيلية في طهران.
وأكد أن المواجهة الآن بين تل أبيب وطهران مختلفة عما سبق، موضحًا أن إسرائيل قد أعلنت عن مسؤوليتها لاستهداف القنصلية في سوريا، وإيران ردت بشكل معلن في تحول نوعي للهجوم الأخير لذلك سيكون رد تل أبيب القادم معلن إذا ما أقدمت عليه.
ويرى الخبير في الشأن الإيراني، أن استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في سوريا خروج عن قواعد الاشتباك التقليدية بين الطرفين، ما دفع طهران إلى تشكيل هجوم على إسرائيل فريد من نوعه.
وأكد الدكتور هاني سليمان، أن المواجهة بين الطرفين لم تخرج حتى هذه اللحظة عن مربع السيطرة الأمريكية، مشيرًا إلى أن واشنطن مارست ضغوطًا على تل أبيب لحثها على عدم الرد على الضربة الإيرانية خاصة وأنها لم تحدث خسائر سواء على المستوى البشري أو المادي.
ونوه إلى أن أمريكا حاولت مساعدة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سياسيًا بعد الضربة الإيرانية لتل أبيب من خلال دعوة مجموعة السبع للانعقاد، ثم عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن الدولي، فضلًا عن تحريك الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمعاودة التفتيش على المنشآت النووية، ولقاء رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض لمحاولة ترتيب بعض الأوراق حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة بين تل أبيب وطهران، وخوفًا من أن تقوم إيران بتوجيه رد من داخل الأراضي العراقية.
وأوضح أن الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الحالية تحاول أن تمارس نوعًا من أنواع الوساطة والتي تعد مهام مختلفة نوعيًا فيما يرتبط بعلاقتها المتوترة مع إيران، مضيفًا أنه يوضح كيف كان لقاء وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بنظيريه الإسرائيلي يوآف جالانت قبل الرد الإيراني والذي كان يشدد على ضرورة إبلاغ واشنطن بأي خطوة تصعيدية إذا ما أقدمت طهران على الرد.
وذكر أن التصعيد بين إيران وإسرائيل سيتم احتواءه بأي حال من الأحوال، مضيفًا أن الإشكالية الكبرى في توظيف نتنياهو لهذه الهجمة الإيرانية وتسريب جزء كبير من الضغوط عليه في الشأن الداخلي الواقع من زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد الذي يتطلع إلى إقصاء الحكومة وعلى رأسها نتنياهو، ومن ضغط أهالي المحتجزين في غزة إلى تماسك وتلام الأطراف الإسرائيلية من جديد.
وأوضح أن نتنياهو يريد تحقيق مكاسب من الضربات الإيرانية فيما يتعلق بالمفاوضات وخطته لاجتياح رفح، من خلال تصدير حالة وجود جبهات مختلفة للقتال تحاول الهجوم على إسرائيل، واكتساب نوعًا من التعاطف واستعادة الدعم مرة أخرى من جانب الدول الأوروبية التي كان موقفها مختلف وتغير نسبيًا في ظل المجازر والانتهاكات التي تقوم بها في غزة.
ورجح أن تحاول أمريكا تجنب المواجهة بين إيران وإسرائيل مقابل إعطاء تل أبيب بعض الصلاحيات والمرونة في تفهم وقبول مسألة اجتياح وقوات الاحتلال لمدينة رفح الفلسطينية.
وأشار إلى أن العمليات الحوثية في البحر الأحمر التي قد مارست بعض الضغوط على الجانب الإسرائيلي والمجتمع الدولي، ولكنها عسكريًا لم تؤد إلى تغير في موازين القوى لإجبار تل أبيب على وقف العملية العسكرية في غزة، وفي المقبل كان تحرك حزب الله في حدود ضيقة للغاية، وإبعاد الحرس الثوري الإيراني منذ الوهلة الأولى عن الانخراط في أي عمليات عسكرية منذ بدء الضرب على القطاع، ما يؤكد أن إيران غير عازمة في الدخول لمواجهة مباشرة مع إسرائيل.
وقال إن رد فعل إيران تجاه القضية الفلسطينية التي طالما تحدثت عن رغبة في الانتقام ونصرة الأقصى والقضاء على الصهيونية وإسرائيل هى ردة فعل متدنية للغاية، والتحرك الإيراني الأخير كان من أجل مصالحها بعيدًا عن فلسطين.
وأكد أن الصراع الإيراني الإسرائيلي سيتم ضبطه في إطار معين، مضيفًا أن واشنطن تريد تفعيل علاقتها بين الدولتين واستخدام تل أبيب وتطويعها من خلال الشراكة الاستراتيجية، وعلاقتها مع طهران التي ترى أن هناك مساحة خلاف وعداء، ولكن في النهاية هى فاعل يمكن السيطرة عليه وتحقيق توازن معين ومصالح فيما يتعلق بدول الخليج واستقرار المنطقة وفقًا للأهداف الأمريكية، مرجحا انتهاء الخلاف بين الطرفين خلال أسبوع.
وحول إمكانية استهداف إسرائيل للمفاعلات النووية الإيرانية، قال إن هناك تحركًا من نتنياهو الذي تحدث إلى بعض المسؤولين في وزارة الدفاع لاستهداف بعض المنشآت الخاصة بالذخيرة والأسلحة في أصفهان، والآخر لمناطق متوطن بها تصنيع المسيرات، والجزء الأخير هو استهداف المنشآت النووية مثل منطقة نطنز النووية كما حدث منذ سنتين وتمكنت إسرائيل من قصف مركز الطاقة المركزي بها.
وأكد أن أمريكا اقترحت على إسرائيل في حال إذا كان لديها نية لاستهداف منشآت نووية فلابد من أن يكون هجومًا سيبرانيًا أو إلكترونيًا لإحداث خلل في بعض المؤسسات النووية وليس هجومًا عسكريًا.