ودعا أهالي غزة شهر رمضان ولسان حالهم يقول "عيد بأي حال عدت يا عيد"، حيث تمتزج دعواتهم وأمنياتهم بانقشاع الأزمة بالقلق والترقب لما سيحدث تالياً بعد دخول الحرب شهرها السابع.
وبينما سيحتفل العالم العربي والإسلامي بعيد الفطر بطقوسه المعتادة، ينتظر سكان غزة بحيرة وحذر، فلن يختلف هذا العيد عن غيره من الأيام السابقة، حيث يستيقظ النازحون على أصوات القصف والدمار، ويبدأون بالبحث عن المياه والطعام لأطفالهم وعائلاتهم، لا يطمحون سوى في الحصول على قليل من الأمان.
ففي عيد الفطر المبارك، كان يعتاد أهالي غزة الاحتفال وتبادل التهاني مع بعضهم البعض. كانوا ينظرون إلى الأمام بشغف، مترقبين التكبيرات والكعك والملابس الجديدة، إشارة للفرح والتجديد بعد شهر رمضان المبارك.
ومع ذلك، هذا العام قد اختلف الأمر تمامًا في غزة، فبدلاً من أصوات التكبيرات ورائحة الكعك يملأ الأجواء، يستقبل أهالي غزة عيد الفطر وهم يتنفسون رائحة الموت والفقد والدمار من كل أرجاء القطاع المنكوب.
لم يعد هناك مكان للفرحة والاحتفال بسبب استمرار الحرب الضارية التي تعصف بالقطاع، مع تصاعد العنف والدمار الذي يضربه, وفي هذا الوقت الحزين، يجد الأهالي أنفسهم محاصرين، غارقين في جو من الحزن واليأس، مشاهدين بلدهم يتحول إلى مزيج من الأنقاض والألم.
_شعور الفلسطينيين بالعيد ممزوج بالألم والأمل
في البداية تحدث الطفل خالد البايض (11 عاما) الذي نزح من مدينة غزة إلى رفح جنوب القطاع، عن افتقاده لأصدقائه وأجواء العيد الذي سيقضيه هذا العام في خيمة، محروما من دفء البيت والأقارب. وقال "نحن الآن في خيمة، لا نضمن بقاءنا على قيد الحياة لعشر دقائق إضافية، بسبب القصف المتواصل، ونفتقد الأمان، سابقًا كنت سعيدا بتجمع الأقارب الذين لا نعلم عنهم أي شيء الآن، وكل ما أتمناه نهاية الحرب لأتمكن من العودة لمنزلي".
ويصف النازح محمد سلامة الذي فقد عائلته حاله قائلا "أصعب عيد سيمر علينا"، وأضاف لا فرحة هنا في غزة، بعد أن فقدنا عائلاتنا وأصدقائنا وأقاربنا، ومن بقي منهم موجود في الشمال ولن نتمكن من رؤيتهم بسبب الحواجز الإسرائيلية التي فصلت القطاع إلى شمال وجنوب، وكل ما أتمناه أن تنتهي الحرب". وعبر سلامة عن تخوفه من اجتياح رفح والتي توجد بها حاليا أعداد هائلة من النازحين.
يتحسر النازحون على الحرمان حتى من التفاصيل البسيطة التي كانت تشعرهم بفرحة العيد مثل أنس صالحة الذي قال "نفتقد كل شيء، فغدا بدلا من أن نزور الأقارب والأهل سنستيقظ لنبحث عن الماء ولقمة العيش، قبل الحرب كنا نستيقظ لنصلي العيد ونزور الأقارب". ومضى قائلا "الآن نحن لا يوجد لدينا حتى منازل ولا مساجد، وكل ما أتمناه انتهاء الحرب وأكبر مخاوفي الآن اجتياح رفح كونها النقطة الأخيرة لنا ولو تم اجتياحها لا نعلم ما الذي سيحدث لنا فلا مكان نذهب إليه".
بعدما نزحت 4 مرات منذ بدء الحرب تقول نور النجار، التي استقر بها المقام في رفح إن أكثر ما ستفتقده في أول أيام العيد هو "الأمان ولمة العائلة". وقالت "في الوضع الطبيعي من المفترض أن أكون في منزلي أعيش بأمان، وأجهز ملابس أطفالي وتحضيرات العيد".
تحن " نور"،لزحام الأسواق ومفاوضات الباعة والزبائن على الأسعار وقالت "نريد الأمان، هو شيء بسيط ربما بالنسبة للناس، لكن هو أكثر ما نتمناه الآن، نتخوف من اجتياح رفح فهي المكان الوحيد الذي توجد به أسواق لنتمكن من تأمين احتياجتنا كما أننا قلقون على مصيرنا ومصير أطفالنا".
ويرى النازح من مدينة غزة محمد أبو عودة أن العيد الحقيقي سيكون لدى العودة إلى منزله رغم أنه دمر، وقال "هذا العيد أفتقد عائلتي وأصدقائي، في مثل هذا الوقت كنت أخرج مع أصدقائي. لم نكن نعلم أنه سيأتي يوم ونفتقد كل هذه التفاصيل البسيطة".
_الفلسطينيون يؤدون صلاة عيد الفطر المبارك في ظل الصعوبات
أدى الفلسطينيون في قطاع غزة اليوم الأربعاء ،صلاة عيد الفطر المبارك على الأنقاض التي خلفها الهجمات الإسرائيلية على المساجد، وفي المدارس المؤقتة التي يتواجدون فيها، وحتى في الساحات العامة تحت المطر، وفقًا لوكالة وفا الفلسطينية.
خلال العدوان المتواصل منذ السابع من أكتوبر، دمر الاحتلال الإسرائيلي 229 مسجدًا بشكل كامل، و297 مسجدًا بشكل جزئي في قطاع غزة.
وفي رفح، جنوب قطاع غزة، حيث نزح أكثر من مليون مواطن، أدي عدد من النازحين صلاة العيد في مدارس الإيواء وبالقرب من خيام النزوح. وقد قامت عدة مؤسسات إغاثية بتوزيع الحلوى والألعاب على الأطفال في محاولة لرسم البسمة على وجوههم رغم الظروف الصعبة. كما أقيمت صلاة العيد على أنقاض مسجدي الفاروق والهدى في المدينة.
وفي مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، أقام عشرات المواطنين صلاة العيد داخل المستشفى الأوروبي، بعدما دمرت قوات الاحتلال أغلب مساجد المدينة.
وفي مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، أدى عدد من الفلسطينيين صلاة العيد في الساحات العامة، في ظل هطول الأمطار والأجواء الباردة. وأفادت الوكالة الفلسطينية بأنه رغم العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ 187 يومًا، يحاول المواطنون قدر الإمكان إدخال الفرحة والبهجة إلى قلوب أطفالهم وأبناء الشهداء والجرحى، والمهدمة بيوتهم الذين نزحوا إلى مراكز إيواء وخيام.
وأضافت الوكالة أن غالبية الأطفال ارتدوا ملابسًا عادية، ولم يتمكنوا من شراء ملابس العيد بسبب الظروف الصعبة التي فرضها العدوان، وتدمير الأسواق والمحال التجارية.
في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، أدى نحو 5 آلاف فلسطيني صلاة عيد الفطر المبارك، على الرغم من الإجراءات والقيود التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي على الوصول إلى المسجد.
وقال وزير الأوقاف والشؤون الدينية السابق حاتم البكري إن "العيد يأتي هذا العام وسط حرب إبادة وحصار إسرائيلي"، مؤكدًا على ضرورة مواجهة هذه الحرب والحصار بالوحدة كشعب فلسطيني.
وأشار إلى أن نحو 5 آلاف مواطن صلوا العيد هذا العام في المسجد الإبراهيمي، رغم كل الإجراءات الإسرائيلية التي تشكل عائقًا أمام وصول المصلين،مؤكدا على تمسك الشعب بالمسجد الإبراهيمي كرمز ديني ووطني لهم.
على مداخل الحرم، شددت قوات الاحتلال من إجراءات التفتيش على حواجزها العسكرية، وفحصت بدقة بطاقات هوية المصلين. أدى أكثر من 60 ألف مصل صلاة عيد الفطر في رحاب المسجد الأقصى المبارك، على الرغم من تضييقات الاحتلال.
وشهدت البلدة القديمة من مدينة القدس المحتلة تدفقًا كبيرًا للمواطنين منذ ساعات الصباح الأولى، للمشاركة في صلاة العيد.
وأشارت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس إلى أن عددًا من المواطنين الذين ابعدتهم سلطات الاحتلال قسرًا عن المسجد الأقصى، أدوا صلاة العيد في الشوارع المحيطة بالمسجد.
وبدوره دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى اقتصار فعاليات عيد الفطر على الشعائر الدينية فقط، نظرًا للظروف الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني جراء استمرار حرب الإبادة في غزة والعدوان في الضفة الغربية والقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وفقًا لوكالة الأنباء الفلسطينية.
سائلين المولى عز وجل أن يتغمد شهداء الشعب الفلسطيني بواسع رحمته ويسكنهم فسيح جناته، وأن يمن على الجرحى بالشفاء، وأن يفرج قريبا للأسرى. وندعو أن يأتي العيد القادم وقد تحققت آمال وأماني شعبنا في الحرية والاستقلال، وتحققت إقامة الدولة المستقلة مع عاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين إلى ديارهم.