عمق امتناع أمريكا عن التصويت ضد مشروع قرار مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة الخلافات بين واشنطن وتل أبيب، ما دعا رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى إعلان سحب فريقها التفاوضي من الدوحة، وإلغاء زيادة الوفد الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة ردًا على سماح الأخير بتمرير القرار.
ورجح دبلوماسيون أن ينعكس قرار مجلس الأمن سلبيًا على إسرائيل بشأن احتياجها لمدينة رفح الفلسطينية، مؤكدين أن الرفض المصري لأي تحرك عسكري إسرائيلي يعد العنصر المؤثر على هذه العملية.
وقال سفير فلسطين السابق لدى القاهرة، بركات الفرا، إن قرار مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار في غزة يعد رسالة أمريكية معنوية إلى إسرائيل برفع الغطاء الدبلوماسي عنها.
وأضاف الفرا في تصريحات خاصة لجريدة «بلدنا اليوم» أن القرار يعتبر صفعة لنتنياهو من إدارة بايدن وستجعل كل دول العالم تتجرأ أكثر في مواقفها تجاه إسرائيل، لافتًا إلى بريطانيا تهدد بعدم إرسال أسلحة إلى تل أبيب و٤ دول أوروبية "إسبانيا، أرلندا، مالطا، سلوفاكيا" يريدون الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وأشار السفير الفلسطيني، إلى أن آلية تطبيق قرار مجلس الأمن ستحدث فقط بين وزير الدفاع الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره الإسرائيلي يواف جالانت، مضيفًا أن واشنطن أكدت أن حماية المدنيين في رفح تعد أولوية أخلاقية قصوى.
وأوضح السفير بركات الفرا، أن قوات الاحتلال أصبحت تهدد بعض المنازل في رفح قبل استهدافها، مؤكدًا أن الغير معلن للإعلام أن بلينكن أبلغ جالانت برفض أمريكا اجتياح رفح والبحث عن بدائل أخرى.
وقال إن إسرائيل تعاني من نقص في الذخيرة ولن تستطيع إيجاد بدائل في الأسلحة فهي تعتمد على أمريكا بنسبة 69% وألمانيا بنسبة 33%، مضيفًا أن واشنطن لا تريد إرسال أسلحة إلى تل أبيب في الوقت الحالي، لأن المعدات والأسلحة العسكرية من قذائف مدفعية وقذائف للدبابات مطلوبة للتحضير للعملية الشاملة في رفح.
ونوه إلى أن إسرائيل مصرة على اجتياح رفح مرجعًا ذلك إلى تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بعد قرار مجلس الأمن بدخول قواته رفح وتحقيق النصر المطلق، فضلًا عن سحبه الوفد الإسرائيلي التفاوضي من الدوحة.
وأكد أنه لا يوجد ما يفعله نتنياهو بعد مشروع القرار سوى الاستمرار في تهديداته بعدم الاستسلام للضغوط الدولية ودخول رفح من أجل تفكيك حماس.
ومن جانبه، قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية والقيادي بحركة فتح، أن الدخل الإسرائيلي يشهد حرب داخلية طاحنة، والكنيست الإسرائيلي مشتعل بسبب مشكلة تجنيد الحريديم، لافتًا إلى أن نتياهو يهدد حزبه الليكود بسقوط الحكومة الإسرائيلية في حال لم يتم تمرير مشروع تجنيد الحريديم تحت سن ٣٥ عامًا.
وأضاف الرقب في تصريحات خاصة لجريدة «بلدنا اليوم» أنه في حال لم يستطيع نتنياهو ومعه حزب الليكود إرضاء سموترتيش وبن غفير فلن تكون هناك حكومة إسرائيلية قائمة مع تزايد المظاهرات اليومية التي تطالب باستقالته والإفراج عن المحتجزين.
وأكد أستاذ العلوم السياسية، أن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي يعيش أصعب ظروف في حياته السياسية على الإطلاق.
وتابع القيادي بحركة فتح:" فإذا قالت الإدارة الأمريكية أن القرار غير ملزم وحاول الكثير التقليل من أهميته بالنسبة لفلسطين، فأننا نؤكد بأن القرار موجع جداً لإسرائيل بدليل أن مكتب نتنياهو أصدر بيانًا على الفور بإلغاء سفر الوفد الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة".
وأكد أن أهم جزء بقرار مجلس الأمن هو مخاطبة إسرائيل بوقف إطلاق النار بشكل فوري في شهر رمضان لأسباب إنسانية في قطاع غزة مع مطالبة حماس بالإفراج عن المحتجزين والرهائن بلا شروط.
وفي السياق نفسه، أرجع بلال قاسم، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، ونائب رئيس البرلمان المتوسطي، أسباب تغيير السياسات الأمريكية تجاه إسرائيل إلى عزمها على شن عملية عسكرية على رفح، بجانب ضغط واشنطن على جيش الاحتلال بعدم توسيع عملياته، وإجبارها على التنازل أكثر بمواقفها الصارمة في المفاوضات.
وأضاف قاسم في تصريحات خاصة لجريدة «بلدنا اليوم» أن أمريكا بعث برسالة غضب إلى إسرائيل من خلال قرار مجلس الأمن، وعبر تصريحات نائبة الرئيس الأمريكي في لقاء إعلامي بأنها أطلعت على الخرائط ولم تجد مكان يتسع لمليون ونصف إنسان يتم اخلائهم من رفح إليه.
وحول تأثير القرار على المفاوضات الجارية في قطر، قال نائب رئيس البرلمان المتوسطي، أنه حدث تغيير في المفاوضات من حيث تنازل إسرائيل لحماس في أعداد الأسرى، وأصبح الخلاف على عودة النازحين للشمال وأعدادهم وسنهم في المرحلة الأولى من صفقة التبادل.
وأضاف أن حماس طلبت الإفراج في الدفعة الأولى عن 1000 أسير مقابل 40 محتجزًا إسرائيليًا ووافقت تل أبيب عن الإفراج من 700 إلى800 وأصبح التفاوض على النوعية والأسماء والإبعاد عن المنوي الإفراج عنهم من الأسرى الفلسطينيين، لافتًا إلى أن العقبة الآن فقط في مطالبة حماس بعودة النازحين دفعة واحدة إلى بيوتهم في الشمال وليس على دفعات خلال مراحل الهدنة.
وأشار إلى أن قرار مجلس الأمن يعبر عن إجماع دولي فمثلا شركات اقتصادية لن تتعامل مع إسرائيل عند حد معين فموقف الولايات المتحدة وأي دولة أيدت القرار ستتماشى سياستها مع القرار وليست ضده.
وأكد أن القرار ضرب الروح المعنوية لإسرائيل وفي المقابل ساعد حماس وأعطاها دفعة إلى الأمام، فالمقاومة رحبت به وتل أبيب رفضته واشتبكت مع أمريكا.